كتاب جدد حياتك

استطعمتك فلم تطعمنى؟ قال: يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمت عبدى فلان فلم تطعمه؟! أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى .. ابن آدم استسقيتك فلم تسقنى؟! قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدى فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندى".
وهذا الحوار العجيب بين الدلالة فى مدى إعزاز الله لقوم من الناس لا تزال صلاتهم بالله تستوثق وتتوكد حتى يعد الله كرامتهم من كرامته ومكانتهم من مكانته.
على أن أى إنسان مهما ارتقت عند الله درجته فهو ليس بمنجاة من متاعب الجهاد وأكدار الحياة الحافلة بأفانين من الغشم والجحود.
أترى عمر بن الخطاب أعدل حاكم عرفته الدنيا كيف قتل فمتهما بظلم؟ إن كان الرجل الكبير قد أصابه ما أصاب، فإن عيادته فى جراحته القاتلة كأنها عيادة لله نفسه.
وكذلك ما أصاب المسلمين الأولين من أزمات الحصار الخانق الذى ضربه المشركون عليهم، وعرضوهم فيه لألوان الجوع والعطش، وألجأوهم أن يأكلوا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقهم.
إنه ليس جوع تسول كما يفهم الحمقى، ولكن جوع كفاح وتضحية.
قد تقول: فما فائدة حسن الصلة بالله وسعة الرعاية التى يبسطها على عباده المحبين وأوليائه المقربين إذا كانوا لم ينجوا من براثن الظلم، ولم يفلتوا من حبائل الغدر؟! وأين سياج العناية العليا حول عمر وعثمان وعلى الذين قتلوا شر قتلة؟ وهذا التساؤل لا يقدح فيما قررنا آنفا.
وكل ما يوجبه أن نصحح مفاهيم الحياة الكبيرة فى أذهان الناس حتى لا يضلوا فى فهم ظواهرها.
ما رأى أولئك المتسائلين إذا عرفوا أن عمر كان يدعو قبل وفاته بأيام أن يرزقه الله الاستشهاد؟ وأن تكون شهادته لا فى الجبهة الشرقية التى يدور القتال فيها مع فارس، ولا فى غيرها من جبهات القتال الأخرى مع الرومان؟ لا .. بل فى دار الهجرة، أى فى المدينة نفسها .. لكأن الرجل كان يحدد الطريقة التى يؤثر أن تجىء بها منيته!!

الصفحة 175