كتاب جدد حياتك

إن عمر وأمثاله من كبار الرجال يعرفون طبيعة هذه الحياة الدنيا، ويعرفون الوظيفة المضنية التى يقوم بها أولو العزم فى غرس الإيمان والخلق والعدالة، وفى خلع الحشائش السامة والعوسج الشائك الذى ينتشر فى تربة هذه الأرض البائسة ويملؤها بالمظالم والظلمات.
إن هؤلاء الرجال يعرفون وظائفهم وينهضون بأثقالها فى طمأنينة وسرور.
وما يلقونه فى حياتهم من حرمان لا يؤودهم.
وما يختم حياتهم من مصارع لا يفزعهم.
بل قد يكون أمنيتهم على نحو ما دعا عمر بن الخطاب، ومثل ما روى عن سقراط بعد الحكم عليه بالقتل مسموماً:
سقراط أعطى الكأس - وهى منية - … شفتى محب يشتهى التقبيلا
يجب أن نوضح أطراف هذا القدر الذى يبدو فاجعا ثقيلا، فنؤكد أنه لا يدل على أية شارة من شارات السخط أو القسوة، وأن الله إذ سمح به ـ تمشياً مع السنن الكونية التى أنشأ الحياة عليها ـ ينفذه جل شأنه وهو أرضى ما يكون على عبده وأرغب ما يكون فى الإحسان إليه.
وتأمل قوله عز وجل فى حديثه القدسى: "من أهان لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة وما ترددت فى شىء أنا فاعله ترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولابد له منه ".
يا عجباً!! ما هذا الحنو البالغ، وهذا العطف السابغ؟!
الموت حق ما منه بد، والله يريد إنفاذ قضائه الحتم.
لكن العبد يكره الموت.
والله لا يحب أن يشعر عبده بأن إساءة جاءته من عند ربه.
فانظر إلى هذا التصوير فى إيقاع القضاء، وما تنضح به عبارة: "ما ترددت فى شىء أنا فاعله ترددى فى فعل هكذا .. ".
إن كل ما يدل على قسوة أو سخط منتف بتة من جانب الله فيما تتعرض له حياة الأبطال والأمجاد من كبوات وآلام اقتضتها طبيعة النسق العالى الذى يحيون فيه.

الصفحة 176