كتاب جدد حياتك

روحانية الرسول
للنفوس المعتادة لحظات تصفو فيها من كدر، وترق من غلظة، وترقى إلى مستوى يحلق بأفكارها ومشاعرها إلى جو نقى طهور.
لكنها لا تلبث طويلا حتى تهبط إلى أفقها الدانى، لتعيش فيه أكثر وقتها، ولترمق سويعات الكمال التى تعتريها، وكأنها ألق عارض، أو معنى نضح من عالم بعيد.
وللنفوس العظيمة مجال أرحب مدى، وأطول امتدادا، تشرف فيه على الحياة ولها فكر أوعى، وشعور أقوى.
وتستقيم على نهج من السلوك الرفيع قلما تزل عنه.
فهى كالطير الذى ألف الذرا لا ينحط دونها إلا لماما.
وإذا هبط فما يبقى إلا ريثما يرفرف بجناحيه صعداً إلى حيث يعيش.
كذلك خلق الله الناس، وكذلك درجوا منذ الأزل.
فهم بين عامة مغلولين فى قيد مقص فطالبهم المحدودة، وربما انفكوا عنه حينا.
وبين خاصة أمكنهم الخلاص من أغلب هذه القيود، وربما تشبث أحدها بأقدامهم فأرهقهم حيناً.
وإذا كان شأن العامة أنزل رتبة من شأن الخاصة، فإن هؤلاء الممتازين أنفسهم، يقع بينهم من التفاوت فى الخير والفضل ما يشبه التفاوت بين أبعاد الكواكب.
بعضها يفكر الناس فى الوصول إليه، لأنه ـ وإن بعد ـ قريب.
وبعضها تنقطع الأوهام دونه، لأن الشقة إليه لا يقطعها إلا الخيال الشرود.
والفروق بين عظماء الناس لا يدركها حصر.
وقد اقتضت حكمة الله أن يختار حملة الوحى الأعلى من الصفوة المنتقاة بين هؤلاء الخاصة، وهى صفوة مبرزة فى كل شئ.

الصفحة 181