كتاب جدد حياتك

فلو أقيم سباق عام بين أولى المواهب الناضجة، والقرائح القوية، والمعادن الصافية، والأ بدان النقية، لكان أنبياء الله ـ وحدهم ـ أصحاب السبق فيه.
إن الأنبياء رجال لا يدانون فى ذكائهم، وصلابة عزائمهم، وبعد هممهم، وسعة فطنتهم، وإدراكهم الشامل لحقائق النفوس وطبائع الجماعات.
ومن الخطأ الجسيم أن تحسب أولئك المرسلين على قدر ما من "الطيبة" والسذاجة، رشحهم لقيادة بعض الناس فى عصور التخلف والبساطة.
كلا، كلا، فإن زعامة الأمم فى القديم والحديث لا تنعقد صدقا إلا لرجال أوتوا من المقدرة النفسية ما يوطئ لهم الأكناف، ويجمع حولهم الآلاف.
وقد أومأ القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فى قوله:
(واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار).
فهل فقهت أسرار العظمة فى أطواء هذا الوصف الموجز؟ أولى الأيدى والأبصار!! أصحاب القوى الفارهة، والأبصار النيرة.
أصحاب الإقدام الذى لا يشوبه عجز، والنظر الذى لا يشينه جهل.
إنهم مستخلصون من أجيال الدنيا، كما تستخلص أطايب البستان النضر فى هدية مستحبة، قد يترك فيها الجميل إلى ما هو أجمل منه.
ذاك هو معنى الاصطفاء.
***
فى ماضى الحياة، وحاضرها، ومستقبلها، كان الوحى الإلهى ـ ولا يزال ـ العاصم الذى يمسك الأرض أن تزول، والحضارات أن يلتبس فيها الرشد بالغى.
ولن يخطئك ـ وأنت ترمق سدنة هذا الوحى المبارك ـ أن تستجلى هامة شماء توجها الجلال والأدب، وزانها اليقين والصدق، برزت بين هداة السماء بروزا كاد يحجب ما حوله.

الصفحة 182