كتاب جدد حياتك

كن عصيا على النقد ..
قلت فى كتابى " خلق المسلم " بعد كلام عن فضيلة القوة: تلك طبيعة الإيمان إذا تغلغل واستمكن، إنه يُضفى على صاحبه قوة تنطبع فى سلوكه كله، فإذا تكلم كان واثقا من قوله، وإذا اشتغل كان راسخا فى عمله. وإذا اتجه كان واضحا فى هدفه. وما دام مطمئنا إلى الفكرة التى تملا عقله، وإلى العاطفة التى تعمر قلبه، فقلما يعرف التردد سبيلاً إلى نفسه، وقلما تزحزحه العواصف العاتية عن موقفه. بل لا عليه أن يقول لمن حوله:
(اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون * من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم).
هذه اللهجة المقرونة بالتحدى.
وهذه الروح المستقلة فى العمل، وتلك الثقة فيما يرى أنه الحق، ذلك كله يجعله فى الحياة رجل مبدأ متميز، فهو يعاشر الناس على بصيرة من أمره، إن رآهم على الصواب تعاون معهم، وان وجدهم مخطئين نأى بنفسه واستوحى ضميره وحده.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يكن أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس؛ إن أحسن الناس أحسنت، وان أساءوا أسأت!! ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم ".
والحق أن الرجل القوى يجب أن يدع أمر الناس جانبا، وأن يندفع بقواه الخاصة شاقا طريقه إلى غايته، واضعا فى حسابه أن الناس عليه لا له، وأنهم أعباء لا أعوان، وأنه إذا ناله جرح أو مسه إعياء فليكتم ألمه عنهم، ولا ينتظر خيرا من بثهم أحزانه.
ولا تشك إلى خلق فتشمته … شكوى الجريح إلى الغربان والرخم

الصفحة 195