كتاب جدد حياتك

وحرى بنا ـ ونحن نزن آراء الناس ـ أن ننبه إلى الملابسات التى تجعل كثيرا منهم يوافق مثلا، أو يرفض، بل يؤمن أو يكفر.
فإن عبد الله بن أبى ـ كبير المنافقين فى الصدر الأول ـ ظل ينظر إلى الإسلام نظرة تجهم وقلق، حتى إذا انتصر المسلمون فى معركة " بدر " أسرع الرجل وشيعته إلى الدخول فيه بحجة أن " هذا أمر قد توجه " يعنى ثبت واستقر بعدما نال من نصر.
والذين يبنون احترامهم لأمر ما على أساس ما يقارن هذا الأمر من عناصر الغلب والظهور كثير جدا فى الناس.
أما الذين يعتنقون الحق المجرد ولو أثخنته الهزائم، ويغالون بنفاسته ولو مرغ فى التراب، فهؤلاء غرباء فى العالم.
العامة للأسف مع صاحب الدنيا ولو كان زنيما.
والألسنة فى إعلاء شأنه قلما تفتر رغبة أو رهبة.
ولذلك قيل: إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه:
والناس من يلق خيرا قائلون له … ما يشتهي، ولأم المخطئ الهبل
وقد كره النبى صلى الله عليه وسلم ألا يتحرك الناس إلا تحت ضغط هذه الدوافع الدنيئة، فقال: " بئس العبد عبد رغب يذله، بئس العبد عبد رهب يضله ".
بيد أن مشاعر الرغبة والرهبة والمنفعة والحرمان ما تزال السر الدفين وراء كثير من النقد والرضاء والنقمة والتأييد.
وقد كان " إبراهام لنكولن " حريصاً على أن ينتصر فى المعارك التى خاضها، لماذا؟ لأن النصر سيقطع جميع الألسنة التى تناوشه.
أما إذا انهزم فلو نزلت الملائكة تعتذر له ما قبلت الجماهير عذره، ولكانت أسرع إلى تصديق خصومه وقبول الاتهامات التى وجهت له بالحق أو بالباطل.

الصفحة 198