كتاب جدد حياتك

ولقد قال "نابليون " فى منفاه بجزيرة القديسة "هيلانة": لا أحد سواي مسؤول عن هزيمتى.
لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسى).
* * * *
فى صدر شبابى الأول كنت دقيقاً فى محاسبة نفسى، وكنت أرسم برامج قصيرة الأجل للتطهر مما أحقره من خلال وأعمال، وأذكر أننى استعنت بإحدى المفكرات السنوية لإثبات الأطوار التى أتنقل بينها من الناحيتين الذهنية والنفسية، وإن كنت فشلت آخر مرة فى استدامة هذا الأسلوب.
ويرجع فشلى إلى أننى أطلب النتائج المستحبة بسرعة، على حين أكون محاصرا بظروف لا تسمح بذلك أبدا.
وقد مزقت هذه المفكرة فى ساعة يأس لأنى نظرت فى صفحاتها ـ وكنت أدون حالتى بأمانة ـ فوجدتها لا تشير إلى أى تقدم، كانت أشبه بملف مريض لا تتغير حالته مع عظم وعناء السهر وأحس الآن، أنى أخطأت فى الاستجابة لهذا اليأس، لأنى نظرت للأمر في ناحية ضيقة، ناحية الحصول على نتائج معينة فى أيام محدودة، جاهلا أو متجاهلا ما يكتنف النفس من وعورة طباعها الرديئة، ومن عوائق البيئة التى لا حصر لها.
كنت كالسباح الذى يعارك أنواء عاتية.
حسبه ـ إن وقف فى مكانه ـ أنه لم يتأخر، وأنه لم يغرق.
وهذا ضرب من النجاح، يتبعه مع الصبر الجميل إحراز النجاح الكامل.
وقد فاتنى هذا الدرس وأنا شاب أتطلع إلى الفضيلة والكمال، وأتعشق المثل العليا، ذلك لأن فى بلادنا أزمة طاحنة فى المربين الأخيار.
وحدث وأنا غلام فى مرحلة التعليم الثانوى أن اجتاح قريتنا حديث عن الأشباح التى تظهر بالليل، وشعرت بوجل يملكنى وأنا استمع إلى أنباء هذه الكائنات الخفية، ثم أنكرت من نفسى هذا الفزع الذى لا ينبغى أن يخامر مؤمنا، فإن المؤمن يخشى الله وحده.
وإذن فلأؤدب هذه النفس الهلوع، وبم؟ بإكراهها على مواجهة ما تخاف. وبعد العشاء اخترقت وحدى أعماء الليل المخيم على البلد والحقول.

الصفحة 202