كتاب جدد حياتك

الاستهانة غمط للواقع ومتلفة للدين والدنيا. روى أن رجلا سأل عبد الله بن عمرو ابن العاص: ألست من فقراء المهاجرين؟. فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوى إليها؟. قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟.
قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء .. قال: فإن لى خادما. قال فأنت من الملوك ..
إن الاكتفاء الذاتى، وحسن استغلال ما فى اليد، ونبذ الاتكال على المنى هى نواة العظمة النفسية وسر الانتصار على الظروف المعنتة.
والذين لا يشكون الحرمان ـ لأنهم أوتوا الكثير ـ قلما ينتفعون بما أوتوا إذا هم فقدوا الطاقة النفسية على استغلال ما معهم والإفادة مما حولهم. هذه حقيقة يؤكدها النبى الكريم مطلع كل صباح فيقول: " ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. ولا غربت شمس قط، إلا وبعث بجنبيها ملكان يناديان: اللهم عجل لمنفق خلفاً وعجل لممسك تلفاً".
آخر هذا الحديث وعد للكرام بالعوض، ووعيد للبخلاء بالمقت.
وأوله مقارنة قد تحسب تفضيلا للقلة على الكثرة.
والحقيقة أنها تفضيل للقلة الكافية على الكثرة الملهية.
أما الكثرة التى تغنى صاحبها ثم يبقى فيها فضل يسع الحاجات ويسد الحقوق فإنها بمنزلة أسنى من القلة المحصورة. ولم يتعرض لها الحديث هنا، كل ما عنى به هذا الأثر النبوى تحريض المؤمنين على الكرم، والجراءة فى البذل، دون خشية من إملاق، أو تبرم بكفاف. وهذا الفقه فى معالجة الحياة يورث المؤمنين شجاعة هائلة.
واسمع قول " أبى حازم ": (إنما بينى وبين الملوك يوم واحد!!.
أما أمس فلا يجدون لذته.
وأنا وهم من غد على وجل.
وإنما هو اليوم. فما عسى أن يكون اليوم؟!.)

الصفحة 21