كتاب جدد حياتك

ولا شك أن الرجل الذى يضبط أعصابه أمام الأزمات، ويملك إدارة البصر فيما حوله هو الذى يظفر فى النهاية بجميل العاقبة.
وتأمل فى قول قطرى:
أقول لها وقد طارت شعاعاً … من الأبطال ويحك لن تراعى
فإنك لو طلبت بقاء يوم … على الأجل الذى لك لن تطاعى
وقول الآخر:
أقول لها وقد جشأت … وجاشت مكانك تُحمدى أو تستريحى
إن هذه الأبيات تصوير حسن لموقف الرجولة من النوازل العصيبة.
ماذا يجديك أن تفقد رشدك إذا هددتك أو دهمتك أزمة؟.
هذا الشاعر عندما أحس المنايا تقترب منه أعمل فكره بقوة: أيسلم سيقانه للريح طلبا للنجاة؟.
كلا. إن الفرار لن يرجئ أجلاً حان، إنه لن يجلب إلا المعرة، فليبق إذن فى مكانه، فالبقاء- إن قتل- أروح للنفس، وإن عاش أدعى للحمد.
وعندما يبقى الفكر يقظاً على هبوب الأخطار، وعندما يظل المرء رابط الجأش يقلب وجوه الرأى ابتغاء مخلص مما عراه، فإن النجاح لن يخطئه.
ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى ".
وقد يتوقع الإنسان بعض النوازل المخوفة، ويستبد به القلق فى انتشارها، وكأنما هى الموت أو أشد.
وربما لم يهنأ له طعام ولا ارتسم على فمه ابتسام من تفكيره المشدود إلى ما يتوقع.
والناس من خوف الفقر فى فقر، ومن خوف الذل فى ذل!!.
وهذا خطأ بالغ. فالمؤمن الراشد يفترض أن أسوأ ما يقلقه قد وقع بالفعل، ثم ينتزع مما يتبقى له- بعد هذا الافتراض- عناصر حياة تكفى، أو معانى عزاء تشفى، على نحو ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لتعز المسلمين فى مصائبهم المصيبة فى، إنهم لن يصابوا بمثلى ".
أجل فقد كانت حياته لهم بركة ما تُعوَّض، ثم حم القضاء وذهب، فكل مصاب بعده هين.

الصفحة 25