كتاب جدد حياتك

وفى ضوء هذه الآية تدرك قول القائل:
فإن تكن الأيام فينا تبدلت … ببؤسي ونعمى والحوادث تفعل
فما لينت منا قناة صليبة … ولا ذللتنا للتى ليس تجمل
ولكن رحلناها نفوساً كريمة … تحمل ما لا يستطاع فتحمل
وقينا بحسن الصبر منا نفوسنا … فصحت لنا الأعراض والناس هزل
إن الينبوع الذى تسيل منه مخايل الرجولة الناضجة هو الذى تسيل منه معانى اليقين الحى.
وإذا وجدت الصبر يساوى البلادة فى بعض الناس فلا تخلطن بين تبلد الطباع المريضة وبين تسليم الأقوياء لما نزل بهم.
وأول معالم الحرية الكاملة ألا يضرع الرجل لحاجة فقدها.
وعندما يكون المرء عبد رغبة تنقصه فتلك ثغرة فى رجولته، وهى بالتالى ثُلمة فى إيمانه.
والإيمان الحق يجعل الرجل صلب العود، لا يميل مع كل ريح، ولا ينحنى مع أى خلة. وإذا أحصينا الرجال الذين لا يأخذهم الدهش أمام المفاجآت عرفنا أن لهم من أنفسهم ما يهون عليهم أى مفقود وما يسليهم عن كل فائت، وبهذا الشعور يمكنهم أن يقتحموا كل حصار تضربه عليهم الليالى الكوالح.
* * *
إن الرجل العربيد الهجام على لذائذ الحياة ـ متعسفا أو متلطفا ـ فى اقتناصها ربما تصيبه النازلة من نوازل الدهر فيلقاها فى غير مبالاة، أو يقول قول امرئ القيس: (اليوم خمر وغدا أمر).
وفى الحياة أناس يلوذون بالاستخفاف والسخرية من كل شىء، فإذا صوبت الأحداث لهم سهما مس جوانبهم كما تمس القذيفة الطائشة أطراف رجل مشغول عنها بأمر نفسه.
وحالات هؤلاء لا تجعل مثلا يحتذى فى تحمُّل الشدائد بجلد أو مرح.
وكل ما تدل عليه أن الحساسية بالآلام تتفاوت تفاوتا واسعاً بين الناس، وإن الاستغراق فى حال ما - طيبة أو خبيثة - يخفف من حدة الشعور بالأذى.

الصفحة 27