كتاب جدد حياتك

بيد أننا نلفت النظر إلى الغلط الشنيع فى فهم الموت على أنه عدم محض، وسوق أبيات الخيام السابقة لحفز الشهوات على التهام ما يمكنها من الحياة قبل أن تنتهى هذه الحياة ولا تعود .. هذه أكذب فرية يشيعها المبطلون فى أرجاء العالم.
والحق الذى كان يجب على المنتسبين للأديان كافة أن يفقهوه وأن يقفوا عنده هو أن الموت مرحلة تتلوها حياة أضخم من حياتنا هذه، وأعمق إحساسا، وأرحب آفاقا.
حياة تعد حياتنا هذه لهوا وعبثا إلى جانبها، ولذلك يعبر القرآن عنها بلفظ أكبر فى مبناه ليكون أوسع فى معناه فيقول:
(وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).
إن الشعور بأن الموت بداية فناء مطلق وهم يشيع للأسف بين الكثيرين، وهو الذى يخامر المنتحرين عندما يقررون مغادرة الحياة.
إنهم معذبون بالإحساس السارى فى أعصابهم بحملهم الغم والكرب، فما الذى يريحهم من هذا الإحساس؟.الموت الذى يتوهمونه ضياعا وانقطاعا وفراغا من كل شعور!!.
فكيف إذا علموا بالحقيقة المرة، ووجدوا أنفسهم التى يريدون إزهاقها ما تزال باقية لم يتغير منها إلا الإهاب الذى احتواها حينا، ثم عريت عنه دون أن ينقص وعيها أو يقل حسها؟!.
إن ما بعد الموت طور أخر من أطوار الوجود الإنسانى يتسم بزيادة الوعى وحدة الشعور.
قيل: إن أبا حامد الغزالى لما أحس دنو أجله قال لبعض أصحابه: ائتنى بثوب جديد.
فقال له: ما تريد به؟.
قال أبو حامد: سألقى به الملك!!.
فجاءوه بالثوب، فطلع به إلى بيته، وأبطأ على أصحابه، فلم يعد.
فذهب إليه أصحابه يستطلعون نبأه، فإذا هو ميت، وإذا عند رأسه ورقة كتب فيها هذه الأبيات:

الصفحة 29