كتاب جدد حياتك

بين عينيه. ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أموره، وجعل غناه فى قلبه. وما أقبل عبد بقلبه على الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة، وكان الله إليه بكل خير أسرع ".
وفى مواريث النبوة أحاديث كثيرة من هذا النوع الرضى الهادئ، وهى حكم بالغة إذا سيقت فى مجالها ووضعت فى مواضيعها، وهى لا تعنى إلا كفكفة الجهود المجنونة فى معركة الخبز، وضبط عواطف البشر وراء مطالب الحياة، فلا يكون زحامهم وسباقهم ذريعة إلى غرس الأضغان، ونسيان الفضائل، وحرق الصداقات، ورد الإنسان المهذب الرقيق حيوانا محدود الظفر والناب يحول مناكب الأرض إلى مسبعة متهارشة.
ولكن بعض الزهاد فهم الأحاديث الآنفة فهما مقلوبا، واستخدمها لإبطال أعمال الحياة بدلا من تهذيبها، فأساء بذلك إلى الدين والدنيا معا.
إن من حق الدنيا علينا أن نعمل فيها، وأن ننال من ضروراتها ومرفهاتها ما يحفظ حياتها ويسعدها، وقد يكلفنا هذا العمل جهدا شاقا يتصبب معه العرق ويطول فيه العناء، ولكن هذا الحق المقرر، وهذا الجهد المبذول لبلوغه لا يجوز أن يميلا بنا عن الجادة، أو يزيغا بنا عن الرشاد.
فالمال إذا طلبناه فلكى ننفقه لا لكى نختزنه، وإذا أحببناه وحصلناه فلنبذله فيما يحقق مصالحنا ويصون حياتنا.
ومن الحماقة أن يتحول المال إلى هدف مقصود لذاته تذوب فى جمعه المهج، وترتخص العافية، وتتكاثر الهموم، وتجتذب الأمراض!!.
* * *
قال ابن الرومى:
قرب الحرص مركباً لشقي … إنما الحرص مركب الأشقياء
مرحبا بالكفاف يأتى هنيئاً … وعلى المتعبات ذيل العفاء
ضلة لامرئ يُشمِّرُ فى الجمـ… ـع لعيش مشمرٍ للفناء

الصفحة 34