كتاب جدد حياتك

ومن هؤلاء الأخيرين مليون نسمة كان مرضهم ناشئا عن القلق وتوتر الأعصاب .. نعم إن مرض القلب من الأسباب الرئيسية التى حدت بالدكتور "ألكسيس كاريل " إلى أن يقول: إن رجال الأعمال الذين لا يعرفون كيف يكافحون القلق يموتون مبكرين.
وقلما يمرض الزنوج فى أمريكا أو الصينيون بأمراض القلب، فهؤلاء أقوام يأخذون الحياة مأخذا سهلا لينا.
وإنك لترى أن عدد الأطباء الذين يموتون بالسكتة القلبية يزيد عشرين ضعفا على عدد الفلاحين الذين يموتون بالعلة نفسها، فإن الأطباء يحيون حياة متوترة عنيفة ويدفعون الثمن غاليا).
أجل فإن القلق والهم يحطمان العمالقة، ويذبلان الوجوه الطافحة بالحياة، ولذلك يقول الشاعر:
والهم يخترم الجسيم نحافة … ويشيب ناصية الصبي ويهرم
وقد كنت أعجب كيف أن فلانا امتلكه الحزن إثر كارثة عصيبة، فإذا بعض أضراسه قد سقط من فمه، ثم أدركت بعد كشوف الطب الحديث أن الأزمات النفسية العاتية شديدة الوطأة على الجسم، وأنها تحول العصارات الهاضمة إلى سموم، فلا تستفيد المعدة من أغنى الأطعمة بالغذاء، وأنها تفتت جير الأسنان، وتزلزلها من مستقرها العتيد.
وقد قرأنا كيف أن بكاء يعقوب على ابنه أفقده بصره، وكيف أن الغم بلغ مداه بالسيدة عائشة ـ عندما تطاول عليها الأفاكون ـ فظلت تبكى حتى قالت: " ظننت أن الحزن فالق كبدى".
وقد أدرك الموجهون خطر الأحزان على كيان الأمم وإنتاجها، فتألفت فى (ألمانيا) منذ سنين جماعة جعلت شعارها: القوة فى السرور. وإنه لخير للأمم أن تستقبل الحياة ببشر وأمل كى تستفيد من وقتها ومالها، ومن حقها على قادتها أن يجنبوها القنوط والتشاؤم والاستكانة، فإن هذه المشاعر الباردة تطويها فى أكفان الموت قبل أن تموت:
ليس من مات فاستراح بميت … إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبا … كاسفا باله قليل الرجاء

الصفحة 37