كتاب جدد حياتك

عندما أوشك القتال أن ينشب فى حرم مكة بين المسلمين والمشركين، والتفت عوامل الاستفزاز بالنبى وصحبه وهم بالحديبية يريدون العمرة؛ كظم النبى على ما أحس به من حزن، وأمر أصحابه أن يطرحوا الريبة والهم، وأن يقبلوا معاهدة تصون الدماء وتنشر الأمان على ما بها من قيود تعنتهم.
وفى ذلك نزل قول الله:
(إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما).
وكلمة السكينة هذه تكررت فى مواضع كثيرة، وهى حيثما وجدت تشير إلى ما يبثه الإيمان فى النفوس من طمأنينة مرجعها الأنس بالله، والركون إلى قضائه، والاستظهار بعونه كلما راب أمر أو أظلم أفق.
قد يجد المرء نفسه أمام سلسلة من الفروض المقترحة للخروج من أزمة طارئة، وقد يقلب النظر فيها فيجد أن أحلاها مر، وقد يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، وقد يدور حول نفسه لا يرى مخلصا، أو يرى المخلص فادح التضحية.
ومثل هذه الأفكار القاتمة تتكاثر وتتراكم مع ضعف الثقة بالله وبالنفس.
أما المؤمن فهو يختار أقرب الفروض إلى السكينة والرشد، ثم يقدم وهو لا يبالى ما يحدث بعد ذلك، وعلى لسانه هذه الآية:
(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا و على الله فليتوكل المؤمنون).
وما أكثر أن تتبخر خواطر السوء ووساوس الضعف، ويتكشف أن الإنسان يبتلى بالأوهام أكثر مما يبتلى بالحقائق، وينهزم من داخل نفسه قبل أن تهزمه وقائع الحياة:
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).

الصفحة 47