كتاب جدد حياتك

وأفضل ما تصون به حياة إنسان أن ترسم له منهاجاً يستغرق أوقاته، ولا تترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليه بوسوسة أو إضلال.
وتوزيع التكاليف الشرعية فى الإسلام منظور فيه إلى هذه الحقيقة، ألا يترك للنفس فراغ يمتلئ بالباطل، لأنه لم يمتلئ من قبل بالحق.
ويشرح " ديل كارنيجى " هذا فيقول: (إننا لا نحس أثرا للقلق عندما نعكف على أعمالنا، ولكن ساعات الفراغ، التى تلى العمل هى أخطر الساعات طراً.
فعندما يتاح لنا وقت فراغ لا تلبث شياطين القلق أن تهاجمنا، وهنا نتساءل: أترانا نحصل من الحياة على ما نشتهى؟. أترى كان الرئيس يعنى شيئا بملاحظته التى أبداها اليوم؟.أترانا مرضى؟.
ذلك أن أذهاننا تشبه أن تكون خاوية عندما تفرغ من العمل، والطلاب فى دروس الطبيعة يعلمون أن الطبيعة تمقت الفراغ، تريد تجربة على ذلك؟. أحدث ثقباً فى مصباح كهربائى مفرغ من الهواء، وسترى أن الطبيعة تدفع بالهواء إلى داخل المصباح ليملأ ما فيه من خلاء، كذلك تسرع الطبيعة إلى ملء النفس الفارغة، بماذا؟ بالعواطف والإحساسات غالبا. لماذا؟ لأن مشاعر القلق والخوف والحقد والغيرة والحسد تندفع بقوة بدائية عنيفة متوارثة من عهد الغابة، وتلك المشاعر من القوة بحيث يمكنها أن تبدد السلام من نفوسنا والاستقرار من عقولنا).
* * *
من حق المربين إذن أن يحذروا آفات الفراغ، وأن يحصنوا النفوس من شرورها.
وأمثل الوسائل فى هذه الحالات وضع سياسات محكمة للإنشاء الدائم، والبناء المستمر.
فإن شحن الأوقات بالواجبات، والانتقال من عمل إلى عمل آخر ـ ولو من عمل مرهق إلى عمل مرفه ـ هو وحده الذى يحمينا من علل التبطل ولوثات الفراغ.
وأحسب أن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم فى أوقات الفراغ، لا بالإفادة منها بعد أن توجد، بل بخلق الجهد الذى يستنفد كل طاقة، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه فى معاشه ومعاده.

الصفحة 56