كتاب جدد حياتك

فلا يبقى مجال يشعر امرؤ بعده أنه لا عمل له.
من قديم عرف المصلحون أن بطالة الغنى ذريعة إلى الفسوق.
إن الشباب والفراغ والجدة … مفسدة للمرء أى مفسدة
ونضم إلى هذا أن بطالة الفقراء تضييع لقدرة بشرية هائلة، وبعثرة مخزية لما أودعه الله فى العضلات والأعصاب والأفئدة من طاقات لو فجرت لغيرت وجه العالم.
وأحق الأنظمة بالقبول والتشجيع ما رعى هذه الحقيقة ورتب عليها تعاليمه.
والإسلام يملك على الإنسان أقطار نفسه من هذه الناحية، فإن أغلب شرائعه يدور على جهاد النفس وجهاد الناس.
وجهاد النفس فطامها عما تشتهى من أثام، أو تجنح إليه من مناكر.
وجهاد الناس منع مظالمهم من إفساد الحياة وخلخلة الإيمان، والإصلاح فى جنباتها.
وكلا الجهادين يستغرق العمر كله لحظة لحظة، ولا يستبقى فرصاً للعبث والذهول والغفلات.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله الاستمساك بدينه مع نبض قلبه بالحياة، فيدعو: " يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك ".
وكان يقول: " اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلنى إلى نفسى طرفة عين، وأصلح لى شأنى كله، لا إله إلا أنت ".
وهذا الاستمداد اليقظ الدائب هو أساس الاكتمال النفسى.
أما شغل الوقت كله بالجهاد العام بعد ذلك فأمر معروف فى سيرته، فما استراح من مناهضة الكفر فى فج من فجاج الجزيرة إلا ليتحول إلى فج آخر يعمره بالإيمان والتقوى.

الصفحة 57