كتاب جدد حياتك

إن فقدان البصيرة الواعية اللماحة حجاب طامس دون فهم الحق بله تفهيمه.
وآفة الأديان جاءت من أن أكثر رجالها لا يصلحون ابتداءً لإدراك رسالتها، كما لا يصلح المصدور للكر والفر فى ميدان القتال.
وقد رأيت رجالاً حظوظهم من تراث النبيين قليل، ومحفوظهم من توجيهات السماء لا يذكر، ومع ذلك فقد كان صفاء فطرتهم هادياً لا يضل فى معرفة الله، وما يجب له، وما يجب على الناس أن يصنعوه كى يحيوا على أرضه أبرارا أتقياء.
وصحيح أن هؤلاء لم يؤدوا المراسيم الدينية بالدقة التى نزلت بها، وعذرهم أن فرص الأداء لم تتح لهم؟ لأن رسالات الله لم تعرض عليهم عرضا يغرى بقبولها والدخول فيها.
ولعل هؤلاء أحسن حالاً وأرجى مآلاً من أناس مكنوا من هدايات الله تمكينا كاملاً؛ فبدلاً من أن ترتفع بهم هبطوا بها.
إن التاريخ سجل هزائم كثيرة للطوائف التى تسمى رجال الدين.
وقد أراد بعض الحمقى أن يحول هذه الهزائم إلى نكبة تحيق بالدين نفسه، وهذا ظلم شنيع، فإن انهزام هذه الأمثلة المصطنعة للتدين هو فى حقيقته انتصار للفطرة الإنسانية، للطبيعة المتمردة على الغباء والجمود والنفاق.
إن هذا الانتصار يجب أن يكون تمهيداً لفهم الدين كما جاء من عند الله، لا لنبذه بعد ما لوثته أيدى الباعة التافهين.
وللدين صورة منسقة تنتظم فيها الملامح والمشاعر والنسب والأضواء، ولهذه الصورة وضع واحد يبرز فيها " الرأس " وهو عال، وتبدو الحواس والأطراف كل فى مكانه العتيد لا يعدوه إلى غيره.
وصاحب الفطرة السليمة وحده هو الذى تستقر فى ذهنه صورة الدين على هذا النحو المبين.
أما مع اضطراب البصيرة وفساد الذوق فإنك ستجد من يعرض عليك الدين مشوشاً مشوهاً، يتجاور فيه الرأس والقدم، وتنخلع الأطراف والحواس من مكانها لتوضع العين فى اليد بدل مستقرها فى الوجه!!.

الصفحة 6