كتاب جدد حياتك

ويجب أن نؤكد مرة أخرى أن دائرة الاستكانة والتسليم تبدأ بما يغلب الإرادة المعتادة، وبما يخرج عن نطاق الاختيار الحر.
فلا احتجاج بقدر، ولا مكان للقول به حيث تستطيع أن تفعل وأن تترك.
أما بعد أن تبلغ بإرادتك مداها فدع الأمور لمدبرها الأعلى ينتهى بها حيث يشاء دون نزق أو قلق.
والغريب أن بعض المؤمنين يستحمق ويلوذ بالسكون والتجرد، أو بالقعود والتماوت باسم التعويل على الله، وإسلام القياد له.
وهذا جنون وكفران لا عقل وإيمان.
ويمثل هؤلاء قول الشاعر:
والسعى للرزق - والأرزاق قد قُسمت - … بغى ألا إن بغى المرء يصرعه
هذا كلام فارغ!.
وشأن الناس مع الله عجيب!! ذاك تاجر أمريكى يؤرقه السهود، لأنه من خوفه على رزقه يتوجس أن ينهار جسر تحت بضاعته فلا تصل إلى عملائه، وهذا شاعر عربى يريد أن يغط فى نوم عميق، وألا يتجشم مؤنة سعي، لأن الأرزاق مقسومة!!.
والحقيقة فى التوسط بين الطرفين المتنافرين، فنؤذى العمل المطلوب، وننفى الريب عن أفئدتنا بعد أن أدينا ما علينا مستريحين لما يصنع الله بنا، وهولن يصنع إلا الخير.
إن أحاديث القدر علاج للقلق والتشاؤم، وليست ذريعة كسل أو خمول.
* * *
ومراقبة الأقدار القاهرة ـ خارج نطاق إرادتنا الحرة ـ وملاحظة صنع الله فيما تفد به من حلو ومز وخير وشر، يضبط العواطف، ويجنبها الحدة والغلواء.
ولذلك ترى أولى الألباب والتجارب معتدلين فى فرحهم وحزنهم، وسرورهم ونفورهم.
وقد يصل هذا الاعتدال إلى حد البرود، وقلة الاكتراث، ومقابلة المباهج والمصائب بشعور محايد، وفى ذلك يقول أبو العلاء:

الصفحة 70