كتاب جدد حياتك

أما موقف اليقين الناضج والتسليم الكريم، فتراه مثلا فى سيرة يعقوب لما جاءه بنوه هم يتباكون على فقد يوسف الذى أكله الذئب ـ كما يخبرون ـ لقد قال الرجل الذى غاب عنه ابنه:
(فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).
وانتظر الرجل أن يؤوب الغائب المتردد بين الموت والحياة، وطال الانتظار دون جدوى.
ومرت السنون على الشيخ الآمل فى الغيب، وإذا هو بدل أن يعود ابنه المرتقب يفقد ابنه الآخر، وينكأ الجرح القديم جرح جديد!!.
ماذا يصنع؟. أينفس عن جواه بالصراخ والجزع؟ لا، إنه يقول مرة أخرى:
(فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم).
إن القنوط لم يصدمه فينشج بقول الشاعر:
وحملت زفرات الضحى فأطقتها … وما لى بزفرات العشى يدان
كلا. لقد تحمل المأساة الأخيرة بالعاطفة نفسها التى تحمل بها الأولى، وظل على تشبثه برحمة الله، يرمق الغد وفى فؤاده شعاع من رجاء لم تطفئه الأحداث، وقال لأبنائه: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
من هذا السلوك العالى نلتمس الأسوة الحسنة، ونتعلم الثبات فى وجه العواصف القاسية.
وما عساك تفعل إذا أصابك ما تكره؟.
إن كان تغيير المكروه فى مقدورك فالصبر عليه بلادة، والرضا به حمق.
أما إذا كان ما عراك فوق ما تطيق، فهل هناك حيلة أفضل من الاتزان ورباطة الجأش؟!.

الصفحة 72