كتاب جدد حياتك

وهى مطالب ومآرب تستغرق انتباههم، ولا تترك بقية يفرح بها أولئك المراءون المستغفلون.
ولو أقبل المرء على ربه يستلهمه ويستعينه وحده لوفقه إلى ما يريح أعصابه ويزيح آلامه.
ومما يضع حدا أقصى لكدر الإنسان أن يقارن بين ما لديه من خير، وما يحسه الألوف من حرمان، ولن تعدم ـ إذا فتحت عينيك بدقة ـ من تمتاز عليهم فى نفسك ومالك، ومن يرزحون تحت ضوائق هى أثقل مما ابتليت به.
وفى هذا يقول رسول الله: " انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ".
* * *
ولا بد من لفت الأنظار إلى شىء. هو أن الإنسان قلما يذكر نهاية لحياته، فهو إن سر أو حزن يبالغ فى استصحاب هذه المشاعر وتوسيع نطاقها، غير مفكر البتة فى أنه سيفارقها يوما إن لم تفارقه!!.
وقد كنت أميل إلى اعتبار الموت باطلا لا يكترث به.
وأميل إلى التعلق بحياة لا يخترمها فناء.
ولكن ما الحيلة إذا كان الموت حقا، وإذا كان وقعه الصارخ يفض المجامع ويفرق الشمل وإن كرهنا .. ألا ينبغى ذكر هذه الحقيقة؟ إن ذكرها يضع حدودا حاسمة لشتى أحوال الحمق والغرور والاستطالة التى تطيش بالألباب.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى المؤمنين أكيس؟ قال: " أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا ".
وعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله مر بمجلس وهم يضحكون فقال: " أكثروا من ذكر هاذم- قاطع- اللذات، أحسبه قال-: فإنه ما ذكره أحد فى ضيق من العيش إلا وسعة .. ولا فى سعة إلا ضيقها عليه".
فليس ذكر الموت لإفساد الحياة إساءة العمل فيها، بل للتخفيف من غلوائها وكفكفة الاغترار بها.
فإذا اعتدل التفكير فلن تتحول السعة إلى فوضى، ولن يتحول الضيق إلى سجن.
* * *

الصفحة 85