كتاب جدد حياتك

فى هذه الحدود المبينة يجب أن ندرس الماضى.
وابتغاء العظة المجردة وحدها يصح أن نلتفت إلى الوراء.
أما العودة إلى الأمس القريب أو البعيد لنجدد حزنا، أو ننكأ جرحا، أو ندور حول مأساة حزَّت فى نفوسنا لنقول: " ليت، ولو " فإن هذا ما يكرهه الإسلام وينفر من التردى فيه، بل إن هذا كان ديدن الحيارى والمترددين من المنافقين ومرضى القلوب:
(يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم).
(الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين).
وهذه التأوهات المنكسرة، والتحسرات المفجوعة سيطرت على ضعفاء الإيمان بعد غزوة (أحد)، فإن الخسائر التى أصابت أهل المدينة بعد هجوم المشركين عليها خلفت آثارا غائرة، وفتحت أمام الحاقدين على الإسلام ثغرات للتشفى واللمز.
لكن الله عز وجل أنزل آيات مفصلة فى مداواة هذه الجراح ولم شمل المسلمين عقب النكبة التى أصابتهم، فكان من تأديبه لهم أن علق عيونهم بالمستقبل، وصرف أذهانهم عن الماضى، وزجرهم عن الوقوف بأطلال الأمس يبكون ويولولون.
لا، ليست هذه شيمة الرجولة، ولا منطق الإيمان، يجب أن نتعرف سر الخطأ لنتقيه فى المستقبل، ولن ننظر فيما وقع إلا بمقدار ما نستخلص العبرة منه، وذاك ما تكفل به القرآن الكريم، فقد أشار إلى علة الهزيمة فى إيجاز:
(حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون).
(إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم).

الصفحة 87