كتاب جدد حياتك

بوساطتها أن تصبح الأحداث الماضية إنشائية مجدية. تلك هى تحليل الأخطاء التى وقعت فى الماضى والاستفادة منها ثم نسيانها نسيانا تاما.
أنا أؤمن بهذا، ولكن هل ترانى أملك الشجاعة دائما لأفعل ما أؤمن به؟! ثم قال: حدثنى " سوندرز " أن مستر " براندوين " مدرس الصحة بكلية " جورج واشنجتون " علمه درسا لن ينساه أبداً، ثم قص على قصة هذا الدرس فقال: لم أكن بعد قد بلغت العشرين من عمرى، ولكنى كنت شديد القلق حتى فى تلك الفترة المبكرة من حياتى، فقد اعتدت أن أجتر أخطائى، وأهتم لها هما بالغا.
وكنت إذا فرغت من أداء امتحان وقدمت أوراق الإجابة، أعود إلى فراشى فأستلقى عليه، وأذهب أقرض أظافرى وأنا فى أشد حالات القلق خشية الرسوب، لقد كنت أعيش فى الماضى وفيما صنعته فيه، وأود لو أننى صنعت غير ما صنعت، وأفكر فيما قلته من زمن مضى، وأود لو أننى قلت غير ما قلت.
ثم إنى فى ذات صباح ضمنى الفصل وزملائى الطلبة، وبعد قليل دلف المدرس (مستر براندوين) ومعه زجاجة مملوءة باللبن وضعها أمامه على المكتب. وتعلقت أبصارنا بهذه الزجاجة، وانطلقت خواطرنا تتساءل: ما صلة اللبن بدروس الصحة؟ وفجأة نهض المدرس ضاربا زجاجة اللبن بظهر يده فإذا هى تقع على الأرض ويراق ما فيها، وهنا صاح مستر (براندوين): لا يبكى أحدكم على اللبن المراق. ثم نادانا الأستاذ واحدا واحدا لنتأمل الحطام المتناثر والسائل المسكوب على الأرض، ثم جعل يقول لكل منا: انظر جيدا إننى أريد أن تذكر هذا الدرس مدى حياتك، لقد ذهب اللبن واستوعبته البالوعة، فمهما تشد شعرك، وتسمح للهم والنكد أن يمسكا بخناقك فلن تستعيد منه قطرة واحدة. لقد كان يمكن بشىء من الحيطة والحذر أن نتلافى هذه الخسارة. ولكن فات الوقت، وكل ما نستطيعه أن نمحو أثرها وننساها ثم نعود إلى العمل بهمة ونشاط).
* * *
ذلك حق، وإليه يشير الحديث الشريف: " استعن بالله. ولا تعجز، وان أصابك شىء فلا تقل: لو أنى فعلت كذا كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ".
وبهذا نعفى على الماضى، ونستأنف المسير فى نشاط ورجاء.

الصفحة 89