كتاب جدد حياتك

إن الأحوال النفسية الحية تجعل القليل كثيرا، والواحد أمة.
وإلى هذه الأحوال ـ كما وكيفا ـ يرتد مستقبل الإنسان، وتأخذ حياته مجراها.
والنفس وحدها هى مصدر السلوك والتوجيه حسب ما يغمرها من أفكار، ويصبغها من عواطف.
إن الإنسان عندما يرتفع عن سطح الأرض تتغير الأشكال والأحجام فى عينه، وتكون نظرته إلى ما دونه أوسع مدى وأرحب أفقا.
وهو هو لم يتغير.
كذلك ارتفاع الإنسان فى مدارج الارتقاء الثقافى والكمال الخلقى.
إنه يغير كثيرا من أفكاره وأحاسيسه.
ويبدل أحكامه على كثير من الأشخاص والأشياء.
والمرء فى طور الصبا غيره فى طور الرجولة، وهو فى طور الشباب غيره فى طور الكهولة.
ونحن نستطيع أن نصنع من أنفسنا مثلاً رائعة إذا أردنا.
وسبيلنا إلى ذلك تجديد أفكارنا ومشاعرنا، كما تتجدد الرقعة من الصحراء إذا انضاف إليها مقدار ضخم من المخصبات والمياه.
إننا نتحول أشخاصا آخرين كما تتحول هذه الصحراء القاحلة روضة غناء.
* * *
وقد حكى لنا " ديل كارنيجى " قصة شاب نهكته العلة، فرحل عن وطنه يطلب الصحة فى السياحة وارتياد الأقطار البعيدة، وكان أبوه يعلم طبيعة مرضه، وأن سقامه جاء من توعك مزاجه وغلبة أوهامه، فكتب إليه فى غربته هذه الرسالة: (ولدى، إنك الآن على بعد ألف وخمسمائة ميل من بيتك، ومع ذلك لست تحس فارقا بين الحالين هنا وهناك، أليس كذلك؟ بلى، لأنك أخذت عبر هذه المسافة الشاسعة الشىء الوحيد الذى هو مصدر كل ما تعانيه، ذلك هو نفسك. لا آفة البتة بجسمك أو عقلك، ولا شىء من التجارب التى واجهتها قد تردى بك إلى هذه الهاوية السحيقة من الشقاء، وإنما الذى تردى بك هو العوج الذهنى الذى واجهت به

الصفحة 92