كتاب جدد حياتك

تجاربك، وكما يفكر المرء يكون، فمتى أدركت ذلك يا بنى، فعد إلى بيتك وأهلك، لأنك يومئذ تكون قد شفيت!!).
قال الشاب: (هاجنى هذا الخطاب، وبلغ بى الغضب حداً قررت معه ألا أعود إلى بيتى وأهلى، قال: وفى تلك الليلة وبينما كنت أذرع إحدى الشوارع، وجدت كنيسة فى طريقى تقام فيها الصلاة، ولما لم تكن لى وجهة معينة، فقد دلفت إليها لأستمع إلى الموعظة الدينية التى تلقى، كان عنوان العظة: " هذا الذى يقهر نفسه، أعظم من ذاك الذى يفتح مدينة ".
وكأنما كان جلوسى فى معبد من معابد الله، وإنصاتى إلى الأفكار التى تضمنها خطاب أبى تقال بصيغة أخرى ممحاة مسحت الاضطراب الذى يطغى على عقلى، ووسعنى فى تلك اللحظة أن أفكر تفكيرا متزنا فى حياتى، وهالنى إذ ذاك أن أرى نفسى على حقيقتها، نعم؟ لقد رأيتنى أريد أن أغير الدنيا وما عليه، فى حين أن الشىء الوحيد الذى كان فى أشد الحاجة إلى التغيير هو تفكيرى واتجاه ذهنى. هو نفسى).
* * *
وما كتبه " كارنيجى " كتبنا مثله فى مؤلفنا " خلق المسلم " ونوهنا فيه بهذه الحقيقة، قلنا: (الإسلام ـ كسائر رسالات السماء ـ يعتمد فى إصلاحه العام على تهذيب النفس الإنسانية قبل كل شىء، فهو يصرف جهودا ضخمة للتغلغل فى أعماقها، وغرس تعاليمه فى جوهرها حتى يستحيل جزءا منها.
وما خلدت رسالات النبيين وكونت حولها جماهير المؤمنين إلا لأن " النفس الإنسانية " كانت موضوع عملها، ومحور نشاطها، فلم تكن تعاليمهم قشورا ملصقة فتسقط فى مضطرب الحياة المتحركة، ولا ألوانا مفتعلة تبهت على مر الأيام.
لا .. لقد خلطوا مبادئهم بطوايا النفس، فأصبحت هذه المبادئ قوة تهيمن على وساوس الطبيعة البشرية، وتتحكم فى اتجاهاتها.
وربما تحدثت رسالات السماء عن المجتمع وأوضاعه، والحكم وأنواعه، وقدمت أدوية لما يعرو هذه النواحى من علل.

الصفحة 93