كتاب جدد حياتك

الثمن الباهظ للقصاص
إحساس المرء بعظمة نفسه، ورسوخ قدمه، وحصانة عرضه ضد المفتريات وإحساسه بتفاهة خصومه أو عجزهم عن النيل منه، أو قدرته على البطش بهم، كل ذلك يجعله بارد الأعصاب إذا أهين، بطىء الغضب إذا أسىء إليه.
والغالب أن الإنسان يتغير، ثم يغتاظ، ثم تنفجر ثورته إذا اقتحمت نفسه، كما يقتحم العدو بلدا سقط فى قبضته وأعلن الاستسلام.
أما إذا أيقن أن عدوه يحاول المستحيل باستفزازه، وأنه مهما بذل فلن يجرحه، فإن هذه الطمأنينة تجعله يتلقى الضربات بهدوء، أو بابتسام، أو بسخرية.
ودعما لهذه الحقيقة نسوق شاهدين: أحدهما ذكره " ديل كارنيجى "، والآخر ذكرته فى كتابى " خلق المسلم " وكلا الشاهدين يصدق الآخر ويزكيه. قال " ديل كارنيجى": (نصبنا مُخيَّما ذات ليلة تجاه حرش متكاثف الأشجار، وفجأة برز لنا وحش الغاب المخيف: الدب الأسود. وتسلل الدب إلى ظلال الضوء المنبعث من معسكرنا، وراح يلتهم بقايا طعام يبدو أن خدم أحد الفنادق المقامة فى أطراف الغابة ألقاها هناك ... وفى ذلك الوقت كان " الماجور ما نتريل " ـ أحد رواد الغابات المغامرين ـ يمتطى صهوة جواده، ويقص علينا أعجب القصص عن الدببة، فكان مما قاله: إن الدب الأسود يسعه أن يقهر أى حيوان آخر يعيش فى العالم الغربى باستثناء الثور على وجه الاحتمال.
غير أنى لاحظت فى تلك الليلة أن حيوانا ضئيلا ضعيفا استطاع أن يخرج من مكمنه فى الغابة وأن يواجه الدب غير هياب. ولا وجل.
بل أن يشاركه الطعام أيضا، ذلك هو " النمس ".
ولا ريب أن الدب يعلم أن ضربة واحدة من مخلبه القوى تمحو " النمس " من الوجود، فلماذا لم يفعل هذا. لأنه تعلَّم بالتجربة أن مغاضبة مثل هذا

الصفحة 99