كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (اسم الجزء: 2)

الْأَذَى إلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا أَرْبَابُ الدِّينِ، وَأَجْلَسَ كَاتِبًا مِنْهُمْ يُعْرَفُ بِالرَّاهِبِ، وَيُلَقَّبُ بِالْأَبِ الْقِدِّيسِ، فَصَادَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ مِصْرَ وَامْتَدَّتْ يَدُهُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَامَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ عَلَى قَبِيحِ فِعْلِهِ وَمَا يَبْدُو مِنْهُ لِلْخَاصَّةِ، وَالْعَامَّةِ إشْفَاقًا عَلَيْهِ، فَكَانَ جَوَابُهُ نَحْنُ مُلَّاكُ هَذِهِ الْبِلَادِ حَرْثًا وَخَرَاجًا، وَإِنَّمَا مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَّا وَتَغَلَّبُوا عَلَيْنَا وَغَصَبُونَا وَاسْتَمْسَكُوهَا مِنْ أَيْدِينَا.
فَنَحْنُ مَهْمَا فَعَلْنَا بِالْمُسْلِمِينَ فَهُوَ قُبَالَةُ مَا فَعَلُوهُ بِنَا، وَجَمِيعُ مَا نَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ حِلٌّ لَنَا وَبَعْضُ مَا نَسْتَحِقُّهُ، فَإِذَا حَمَلْنَا إلَيْهِمْ مَالًا كَانَتْ الْمِنَّةُ لَنَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْشَدَ:
بِنْتَ كَرَمٍ غَصَبُوهَا أَهْلَهَا ... وَأَهَانُوهَا بِدَوْسِ بِالْقَدَمْ
ثُمَّ عَادُوا حَكَّمُوهَا فِيهِمْ ... وَلَهَا أَمْرٌ بِخَصْمٍ يُحْتَكَمْ
وَنُقِلَ مِنْ مِثْلِ هَذَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ جِدًّا فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَحْسَن قَوْلَ الْجَاحِظِ: الْخِيَانَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ مَحَاسِنُهُمْ مَسَاوِي السِّفَلِ وَمَسَاوِيهِمْ فَضَائِحُ الْمِلَلِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : اقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى كَوْنِ اسْتِئْمَانِنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي مَالٍ وَقِسْمَتِهِ مَكْرُوهًا، وَظَاهِرُ مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ حُرْمَةُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْغَزْوِ وَبِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكُفَّارٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَأَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ إلَّا خَوْفًا قَالَ الشَّيْخُ: وَمَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَزْوٍ وَعِمَالَةٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ وَحِفْظِ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالضَّرُورَةِ الْحَاجَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِأَدْنَى حَاجَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَكُونُ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَجَهْبَذًا، وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَيَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ الْوِلَايَاتِ مِنْ دِيوَانِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْتَشَارُوا أَوْ يُؤْخَذَ بِرَأْيِهِمْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَارِقًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالذِّمَّةِ: إنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ دُعَاةٌ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ،.
وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ نَصًّا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ وَيُتَوَجَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكُفَّارٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لِحَاجَةٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا، زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَقُوَّتُهُ بِهِمْ

الصفحة 18