كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (اسم الجزء: 2)

فَيَا وَيْلَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ خَالِقَهُ وَلِمَ خَلَقَهُ؟ وَلَمْ يَقُمْ بِمَا أَمَرَ إنْ لَمْ يَعْفُ وَيَغْفِرْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(الثَّانِيَةُ) : جُمْلَةُ الَّذِينَ نَهَى النَّاظِمُ عَنْ صُحْبَتِهِمْ ثَلَاثَةٌ: الْهَمَّازُ، وَالْبَذِيُّ، وَالْأَحْمَقُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ صُحْبَةِ الْفَاجِرِ أَيْضًا وَالْكَذَّابِ. وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُصَاحِبَ الْعَاقَّ لِوَالِدَيْهِ وَقَاطِعَ الرَّحِمِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَوَدَّنَّ عَاقًّا كَيْفَ يَوَدُّك وَقَدْ عَقَّ أَبَاهُ. وَكَذَا قَاطِعُ الرَّحِمِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
مَنْ ذَا الَّذِي تَرْتَجِي الْأَقَاصِي ... إنْ لَمْ تَنَلْ خَيْرَهُ الْأَدَانِي
وَلَكِنَّ النَّاظِمَ لَمْ يَسْبُرْ مَنْ لَا تَنْبَغِي صُحْبَتُهُمْ. وَلَمْ يَسْتَقْصِ عَدَّهُمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُصَاحِبَ شِرِّيرًا مُطْلَقًا. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَنْبَغِي فِيمَنْ تُؤْثَرُ صُحْبَتُهُ خَمْسُ خِصَالٍ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا. حَسَنَ الْخُلُقِ، غَيْرَ فَاسِقٍ، وَلَا مُبْتَدِعٍ، وَلَا حَرِيصٍ عَلَى الدُّنْيَا، انْتَهَى.
وَضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَمْ تَسْتَفِدْ مِنْ صُحْبَتِهِ شَيْئًا فَتَرْكُهُ أَوْلَى؛ وَكُلُّ مَنْ تَضُرُّك صُحْبَتُهُ فِي دِينِك فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ. وَكَذَا فِي دُنْيَاك ضَرَرًا لَهُ قِيمَةٌ حَيْثُ كَانَ لَك مِنْهُ بُدٌّ. وَدَفْعُ الْمَضَارِّ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ. وَيُدْفَعُ أَشَدُّ الضَّرَرَيْنِ بِأَخَفَّيْهِمَا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) الْحَمَاقَةُ. مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَمِقَتْ السُّوقُ إذَا كَسَدَتْ؛ فَكَأَنَّهُ كَاسِدُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ فَلَا يُشَاوَرُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فِي أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ. قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحُمْقُ غَرِيزَةٌ لَا تَنْفَعُ فِيهِ حِيلَةٌ وَهُوَ دَاءٌ دَوَاؤُهُ الْمَوْتُ. كَمَا قِيلَ:
لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ ... إلَّا الْحَمَاقَةَ أَعْيَتْ مَنْ يُدَاوِيهَا
وَلِبَعْضِهِمْ:
لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ ... إلَّا الْحَمَاقَةَ وَالطَّاعُونَ وَالْهَرَمَ
وَيُرْوَى أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: عَالَجْت الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ فَأَبْرَأْتُهُمَا، وَعَالَجْت الْأَحْمَقَ فَأَعْيَانِي.

الصفحة 486