كتاب غياث الأمم في التياث الظلم

159 - وَالرُّكْنُ الْأَعْظَمُ فِي الْإِيَالَةِ الْبِدَايَةُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَتَرَتَّبُ مُنَابَذَةُ الْكُفَّارِ، وَمُقَاتَلَتُهُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} .
وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَنْبَنِي مُهَادَنَةُ الْكُفَّارِ عَشْرَ سِنِينَ، إِذَا اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفًا.
160 - فَإِنْ قِيلَ: مَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى طَلَبِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَارْتِيَادِ الْأَنْفَعِ لَهُمْ، وَاعْتِمَادِ خَيْرِ الشَّرَّيْنِ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِهِمَا جَمِيعًا، وَسِيرَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُعَاوِيَةَ وَمُتَّبِعِيهِ تُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَزِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ تَفُوتُ أَهْلَ مِصْرَ وَالشَّامِ مِنِ انْقِطَاعِ نَظَرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَنْهُمْ لَا يُقَابِلُهَا قَتْلُ مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَلَوْ كَانَ الْمَرْعِيُّ فِي ذَلِكَ الْمُوَازَنَةَ بَيْنَ رُتَبِ الْمَصَالِحِ، لَكَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَنْحَجِزَ عَلِيٌّ عَنْ بَعْضِ جِدِّهِ، وَيَكُفَّ مِنْ غَرْبِهِ وَحَدِّهِ.
فَإِذَا كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَادًّا مُسْتَهِينًا بِكَثْرَةِ الْقَتْلَى وَالصَّرْعَى،

الصفحة 111