كتاب غياث الأمم في التياث الظلم

768 - فَأَمَّا الْقَوْلُ فِيمَا يَحْرُمُ وَيَحِلُّ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَوْجُودَاتِ، فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ - مَا بَقِيَتْ أُصُولُ الْأَحْكَامِ - أَنَّ مَرْجِعَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كُلِّهَا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَبْيَنُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، قَوْلُ اللَّهِ الْعَزِيزِ: ( {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} ) .
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْمُحْكَمَاتِ الَّتِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَعَارُضُ الِاحْتِمَالَاتِ ; وَطُرُقُ التَّأْوِيلَاتِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ عَلَى الْمُصْطَفَى، وَقَدِ انْطَبَقَ مَذْهَبُ مَالِكٍ إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلَوْ قُلْتُ: هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ مُعْضِلَةً عَلَيَّ [فِي] مُحَاوَلَةِ الذَّبِّ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَكُنْتُ مُظْهِرًا مَا لَا أُضْمِرُهُ.
769 - فَإِذَا نُسِيَتِ الْمَذَاهِبُ فَمَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ تَحْرِيمٌ يَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْحِلِّ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلَّهِ حُكْمٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إِلَى دَلِيلٍ، فَإِذَا انْتَفَى دَلِيلُ التَّحْرِيمِ ثَمَّ اسْتَحَالَ الْحُكْمُ بِهِ.

الصفحة 490