كتاب غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّسَبِ أَيْ وُضِعَ لِنِسْبَةِ شَيْءٍ إلَى آخَرَ وَلِهَذَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولَيْنِ بِخِلَافِ " عَرَفَ " فَإِنَّهُ وُضِعَ لِلْمُفْرَدَاتِ تَقُولُ عَرَفْت زَيْدًا.
الثَّانِي أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ جَهْلٍ بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ.
اللَّهُ تَعَالَى عَارِفٌ.
وَيُقَالُ لَهُ عَالَمٌ وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا وَمِنْهُمْ الْآمِدِيُّ فِي إبْكَارِ الْأَفْكَارِ عَلَى نَحْوِهِ فَقَالَ إنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ الْقَدِيمِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِمَادٍ الْأَفْقَهِيِّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ لِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيِّ: فِي كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْعِلْمَ إلَى مُفْرَدٍ وَإِلَى مُرَكَّبٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْعِلْمُ ضَرْبَانِ عِلْمٌ بِمُفْرَدٍ ثُمَّ قَالَ وَعِلْمٌ بِمَرْكَبٍ وَأَمَّا الْفَرْقُ الثَّانِي فَلِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ عَلَيْهِ وَقَدْ رَدَّهُ " تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَا يَعْرِفْك فِي الشِّدَّةِ " وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: 65] إنَّ عَلِمْتُمْ بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ أَعْيَانَهُمْ وَقِيلَ عَلِمْتُمْ أَحْكَامَهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى ذَاتِ الشَّيْءِ وَالْعِلْمُ مُتَوَجِّهٌ إلَى أَحْوَالِ الشَّيْءِ فَإِذَا قُلْت عَرَفْت زَيْدًا فَالْمُرَادُ شَخْصُهُ وَإِذَا قُلْت عَلِمْت زَيْدًا فَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِ مِنْ فَضْلٍ وَنَقْصٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ عَلِمْتُمْ بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ وَعَلَى الثَّانِي إلَى مَفْعُولَيْنِ.
وَحَكَى الْأَخْفَشُ وَلَقَدْ عَلِمْت زَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ أَعْلَمُهُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ {لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] كُلُّ هَذَا بِمَعْنَى الْمَعْرِفَةِ فَاعْلَمْهُ.
انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْعِمَادِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ أَيْضًا تَسْتَدْعِي سَبْقَ عِلْمٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ مَلَكًا يَأْتِي النَّاسَ وَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك لَسْت رَبَّنَا وَنَحْنُ فِي مَكَانِنَا هَذَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَيَقَعُوا سَاجِدِينَ» فَلَوْلَا تَقَدَّمَ عِلْمٌ لَهُمْ لَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَيَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ» ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَتُهُمْ لَهُ أَنَّهُمْ عَرَفُوهُ بِأَوْصَافِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ إمَّا فِي الْبَرْزَخِ وَإِمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا» وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] فَلَوْلَا تَقَدَّمَ عِلْمٌ لَمَا تَعَارَفُوا

الصفحة 33