كتاب غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (اسم الجزء: 2)
مَعَ كَوْنِهِ لَا حَدَّ لَهُ
22 - وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ لُزُومِ التَّعْزِيرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ، فَقِيلَ صَاحِبُ الصَّغِيرَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ مَنْ إذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نَدِمَ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ خَبِيثَةً فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْجَنَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ أُمُّ الْخَبَائِثِ فِي الدُّنْيَا وَلَهَا وُجُودٌ فِي الْآخِرَةِ فَتَدَبَّرْ هَذَا.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَلَكِيَّةِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ لَا أَدْبَارَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الدُّبُرَ إنَّمَا خُلِقَ فِي الدُّنْيَا لِخُرُوجِ الْغَائِطِ النَّجِسِ فَلَيْسَ الْجَنَّةُ مَحَلًّا لِلْقَاذُورَاتِ (انْتَهَى) .
قُلْت فَعَلَى هَذَا لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْجَنَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِي.
(21) قَوْلُهُ: مَعَ كَوْنِهِ لَا حَدَّ لَهُ. لَا يُقَالُ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ الَّذِي هُوَ الْأَعْلَى فَلِمَ لَا يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ الَّذِي هُوَ الْأَدْنَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةُ الْأُبُوَّةِ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ وَالتَّعْزِيرُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْأَعْلَى سُقُوطُ الْأَدْنَى
(22) قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ لُزُومِ التَّعْزِيرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. أَقُولُ: قَدْ ظَفِرْت بِذَلِكَ فِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوَّةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ لَا يُعَزَّرَ إذَا كَانَ أَوَّلَ فِعْلٍ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ وَيَعِظُهُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ فَإِنْ عَادَ إلَى ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ ضُرِبَ التَّعْزِيرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوَّةِ إلَّا فِي الْحَدِّ» . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
الصفحة 188