كتاب غياث الأمم في التياث الظلم - دار الدعوة

المرعية معناها الاستقلال ببداية الأصوب شرعا في الأمور المنوطة بالإمام فإن قيل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقعت واقعة وألمت به ملمة اشتوروا ولم يأنفوا من المراجعة والمرادة فأشعر ذلك من عادتهم بان استقلال الإمام ليس شرطا في الإمامة
قلنا الخبر المشار إليه والإمام المتفق عليه ومن هو البحر الذي لا ينزف لا يبعد منه أن يستشير في آحاد الوقائع ويستمد من نتائج القرائح ويبحث في محادثة أطراف الكلام عن مآخذ الأحكام كيف وقد ندب الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الاستشارة فقال { وشاورهم في الأمر } ولا منافاة بين بلوغ المرتبة العليا في العلوم وبين التناظر والتشاور في المعضلات
ونحن نرى الإمام المستجمع خلال الكمال البالغ مبلغ الاستقلال أن لا يغفل الاستضاءة في الإيالة وأحكام الشرع بعقول الرجال فإن صاحب الاستبداد لا يأمن الحيدة من سنن السداد ومن وفق الاستمداد من علوم العلماء كان حريا بالاستداد ولزوم طريق الاقتصاد وسر الإمامة استتباع الآراء وجمعها على رأي صائب ومن ضرورة ذلك استقلال الإمام ثم هو محثوث على استقاء مزايا القرائح وتلقى الفوائد والزوائد منها فإن في كل عقل ميزة ولكن اختلاف الآراء مفسدة لإمضاء الأمور فإذا بحث عن الآراء إمام مجتهد وعرضها على علمه الغزير ونقد بالسبر والفكر الأصوب من وجوه الرأي كان جالبا إلى المسلمين ثمرات العقول ودافعا عنهم غائلة التباين
____________________

الصفحة 67