كتاب جهود علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس من القرن الثامن الهجري إلى العصر الحاضر "عرض ونقد"

وذهب بعض النقاد إلى أن عزرا هو الذي كتب التوراة الحقيقية في مدينة بابل بمساعدة بعض العلماء فجمع فيها مأثورات من تواريخ قديمة ووضع توراة موسى بين هذه المأثورات وزاد فيها ونقص ولما صدر لهم أمر من ملك فارس بالرجوع إلى القدس (أورشليم) تعجلوا الرجوع بهذه التوراة وما كانوا قد نقحوها وأزالوا اختلافاتها (¬1).
وذهب البعض الآخر إلى:
أن التوراة الحالية ليست هي المترلة على سيدنا موسى عليه السلام وليست هى التى كتبها عزرا، وذلك لأنه لو فرض أن عزرا كتب التوراة الحالية فإن ما كتبه قد أحرق في حادثة أنطيوكس (¬2) فقد اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة الأصلية وكذا نسخ العهد العتيق ضاعت من أيدي عسكر بختنصر، ولما ظهرت نقولها الصحيحة على عزرا ضاعت تلك النقول أيضًا في هذه الحادثة (¬3).

وقد استدل العلامة / رحمة الله الهندي على هذه الحادثة بما ورد فى التوراة: "لما فتح أنطيوكس ملك ملوك الفرنج أورشليم أحرق جميع نسخ كتب العهد العتيق التي حصلت له من أى مكان بعد ما قطعها وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ العهد العتيق أو يؤدى رسم الشريعة يقتل، وكان تحقيق هذا الأمر فى كل شهر وكان يقتل كل من يجد عنده نسخة أو ثبت أنه أدى رسما من رسوم الشريعة وتعدم تلك النسخة (¬4).

والباحث يميل إلى هذا الرأي لأن الأحداث التاريخية تؤكده وأيضًا العقل والمنطق يؤكدان أن ما حدث لليهود من تشريد وما حدث لبيت الرب من تدمير بما فيه من التابوت ومحتوياته دليل قوى على صحة هذا الرأي.
¬__________
(¬1) انظر. تعليق د/ السقا على إظهار الحق، 1/ 85 هامش، الميزان في تفسير القرآن: 3/ 310، والفارق بين المخلوق والخالق: البغدادي، ص 10، هداية الحيارى لابن قيم الجوزية: ص 207 - 208، ط / المكتبة القيمة، ط / 2، 1399 هـ، وشبهات النصارى وحجج الإسلام: أ/ محمد رشيد رضا، ص 42، طبعة دار المنار، ط 2/ 1367 هـ، الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف: د/يحيي ربيع، ص 86.
(¬2) هو: أنطيوكس الرابع "إبيفانس من 215 - 163 ق. م" أراد أن يختبر ولاء فلسطين له لتكون حاجزا بينه وبين الرومان فأرسل قائده على رأس 22000 من الجنود إلى أورشليم تحت ستار السلام، وهاجموها في يوم السبت، علمًا بأن اليهود لا يحاربون في يوم السبت، وقتلوا أناسا كثيرين وأخذوا النساء والأطفال عبيدا لهم، كما نهبوا المدينة واحرقوها، وفي عام 167ق. م، عزم أنطيوكس على محو الديانة اليهودية؛ لتحريم ممارسة نواميس آبائهم، ومنع حفظ السبت والأعياد والذبائح المألوفة وختان الأطفال، وأحرق نسخ التوراة، وكل من يعصى هذه الأوامر يعدم (ينظر دائرة المعارف الكتابية: أ / ويليام وهبه بباى، 1/ 498، ط / دار الثقافة القاهرة، 1996م).
(¬3) انظر: إظهار الحق، 2/ 284، ودراسات في التوراة: للشيخ / عطية إبراهيم الشوادفي، ص 77.
(¬4) المكابيين الأول: (1/ 59 - 60) نقلا عن هامش إظهار الحق: تحقيق د/ أحمد حجازي السقا،2/ 284.

الصفحة 80