كتاب غرر البيان من سورة يوسف -عليه السلام- في القرآن

وما بي من حاجة لبيان قيمته العلميَّة، وما فيه من مزايا قلَّ أن توجد في كتاب واحد، فقد جَهَدْتُ جَهْدي على أن يأتي هذا الكتاب جامعاً لأشتات العلوم، ومنثور الفنون، وسائغاً لأرباب الفُهُوم، على أنَّه لم يأتِ ليبلغ الغاية والنِّهاية فيها، وإنَّما لينبِّه لها ويذكِّر بها.
وحرصت على إعفائه من الإسهاب والإطناب والتَّطويل والتَّثقيل، مع الاقتصاد في اللَّفظ، والوفاء في المعنى.
وقد هذَّبت لفظه، وذهَّبْتُ نَظْمَه، وضَمَّنته من بديع الكلام وحلوه، ودُرِّيِّه ودُرِّه، وجمعت فيه نثير الجُمان، ودُرر البيان، لأعيد لهذه اللُّغة في القلوب هيبتها، ولكن أنَّى لمثلي أن يُحاكي وشْيَها البليغ، وحبكها البديع!
وكنت وضعت كتاباً للنَّشء قبل عقدين من الزَّمان، ثمَّ رأيت أن أضع كتاباً للعامَّة والخاصَّة من ذوي البصائر والأذهان والحذق والإتقان، لتتمَّ الفائدة، وتكمل المنفعة، على أنَّني لم أنتهِ به إلى غاية ليس وراءَها مُريدٌ من كلِّ وجه؛ فالقرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا تبلغ غايته، وسيظلُّ لابساً حُلَلاً من الجزالة والفصاحة، لا تنالها أقلام الأدباء ولا البلغاء.
وقد تنقَّلت بين مناهج التَّفسير ومراحله، وربطت بين الماضي والحاضر ما استطعت سبيلاً، فإنَّ هذه السُّورة وغيرها فيها أخبار أقوام قامت عليهم الحُجَّة، فقد أرسل اللهُ لهم {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... (١٦٥)} [النّساء] وفيها من العجائب والغرائب، والدَّقائق والخفايا، ما يقعد بالألفاظ عن استيفاء الغاية، فجَمَعْتُ ما تيسَّر وتقدَّر عبرةً لمن يتذكَّر، وقد أثْبَتُّ الكتب الَّتي أفَدْتُ منها في خاتمةِ البَحثِ، دون إيرادها في داخله؛ لتصَرُّفي في

الصفحة 15