كتاب غرر البيان من سورة يوسف -عليه السلام- في القرآن

المعنيين مخالفة ما، كأن يكون أحدهما أعمّ، ومنه قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ}، فإنَّ الكواكب الأحد عشر أعمُّ من القمر، وكذلك قوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرّحمن] فإنَّ الفاكهة أعمُّ من النَّخل والرّمَّان، ومثله في القرآن كثير.
وهناك نوع ثالث يتكرَّر فيه اللَّفظ ويختلف المعنى، نحو قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ... (٢٣١)} [البقرة] إلى قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ... (٢٣٢)} [البقرة] فهذا من باب تكرير اللَّفظ لا المعنى لاختلاف البلوغين في قوله {فَبَلَغْنَ} فالأوَّل بمعنى قاربن انقضاء عدَّتهنَّ، والثَّاني بمعنى انقضت عدَّتهنَّ.
واعلم أنَّ لكلِّ نوع من هذه الأنواع الثَّلاثة وجهاً من وجوه البلاغة، ولكن ليس هذا محلّ بيانه.

تنزيل غير العاقل منزلة العاقل
من ضروب البلاغة وفنون البراعة تنزيل غير العاقل منزلة العاقل، ومن شواهده في القرآن، قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)} فقد وصفت الكواكب والشَّمس بالسُّجود الَّذي هو من فِعْل العقلاء، وهذا يظهر لك علَّة جمع لفظ (السَّاجد) جمع المذكَّر السَّالم، وعلَّة أنّ ضمير الغائبين في قوله: {رَأَيْتُهُمْ} جرى على حدِّ من يعقل.

الصفحة 27