كتاب غرر البيان من سورة يوسف -عليه السلام- في القرآن

اسم المفعول يدلُّ على من وقع عليه الفعل.
ولا تعارض بين القراءتين في المعنى، فالقراءة باسم الفاعل تدلُّ على أنَّ يُوسُفَ أخلص طاعته لله، نحو قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... (٥)} [البيّنة] وما ذلك إلَّا بتوفيق من الله تعالى، والقراءة باسم المفعول تدلُّ على أنَّ الله تعالى أخْلَص يُوسُفَ وهيَّأه ليكون من المخْلَصين، كقوله تعالى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦)} [ص].
فلا تعارض في المعنى بين القراءتين، فالقراءتان تتممُّ إحداهما الأخرى، فإنَّ يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ كان مُخْلِصاً ومُخْلَصاً.

قَمِيصُ البَرَاءَة
قَال تَعَالَى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} هَكَذَا بِالتَّثْنية، فَهُنَاك قَاعِدَة تَنْطَبِق عَلَى يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ تَقُول: " الإِحْرَاج يَقُودُ إِلَى الإِخْرَاج " وَأخْرَى تَنْطَبقُ عَلى امْرَأَة العَزِيز، تَقُول: " إِذَا لَم تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " (¬١)، فَقَد بَلَغَ مِن عِفَّتِه ـ - عليه السلام - ـ أَنَّه أَسْرَعَ إِلَى الْبَاب لِلْهَرَب، فَعَدَتْ خَلْفَه لِلطَّلب، وَجَذَبَتْ قَمِيصَه، وتَعَلَّقَتْ به لتَحْبِسَه على نفسها {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} أي شَقَّت قَمِيصه مِن خَلْف {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} وَإِذَا بِزَوْجِهَا الْعَزِيز فَجْأَة لَدَى الْبَاب مُقْبِلاً.
فَاطْمَأنَّ يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ لِإِيمَانه ببراءته، فالبريء لا {يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (١٣)} [الجنّ]، أَمَّا هِي فَسُرْعَانَ ما اسْتَجْمَعَت أَنْفَاسَها، وتَسلَّحت بالكيد والمكر؛ لِتَخْرجَ مِن الشَّرَك الَّذِي نَصَبته، وتثأرَ لِنَفسِها مِن يُوسُفَ، فَقَالَت لزوجها: {مَا
---------------
(¬١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ١٠٠) كتاب الأدب.

الصفحة 57