كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 1)

كَاذِبًا فَهُوَ مِنْ شَرِّهِمْ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلَهُ - وَلَوْ إِلَى قَرْيَةٍ كَمَا أَرْسَلَ يُونُسَ بْنَ مَتَّى إِلَى أَهْلِ نِينَوَى - كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْخَلْقِ، وَكَانَ صَادِقًا لَا يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَلَا يَقُولُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَلَوْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَلَوْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، لَمْ يَكُنْ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ الصَّادِقِينَ، فَإِنَّ الْكَاذِبَ لَا يَكْذِبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ فِي الْبَعْضِ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَكَانَ مِنَ الْقِسْمِ الْكَاذِبِينَ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ لَا مِنَ الصَّادِقِينَ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ مَقْصُودَ الرِّسَالَةِ تَبْلِيغُ رِسَالَاتِ اللَّهِ عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا خُلِطَ الْكَذِبُ بِالصِّدْقِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ.
وَأَيْضًا فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَذَبَ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَتَمَيَّزْ مَا صَدَقَ فِيهِ مِمَّا كَذَبَ فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ رِسَالَتِهِ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِرِسَالَتِهِ.
وَلِهَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَكْذِبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يُقِرُّ كَاذِبًا عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ - لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ - ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ - فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44 - 47] .

الصفحة 446