كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)
[فَصْلٌ: تَطَرُّفُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَتَوَسُّطُ الْمُسْلِمِينَ]
وَمَنْ تَدَبَّرَ حَالَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَجَدَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مُتَقَابِلِينَ هَؤُلَاءِ فِي طَرَفِ ضَلَالٍ، وَهَؤُلَاءِ فِي طَرَفٍ يُقَابِلُهُ، وَالْمُسْلِمُونَ هُمُ الْوَسَطُ.
وَذَلِكَ فِي التَّوْحِيدِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالشَّرَائِعِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَخْلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَالْيَهُودُ يُشَبِّهُونَ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ فِي صِفَاتِ النَّقْصِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَخْلُوقِ الَّتِي يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَنْهَا كَقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إِنَّهُ فَقِيرٌ، وَإِنَّهُ بَخِيلٌ، وَإِنَّهُ تَعِبَ لَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَالنَّصَارَى يُشَبِّهُونَ الْمَخْلُوقَ بِالْخَالِقِ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْخَالِقِ الَّتِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا مِثْلٌ، كَقَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ، وَابْنُ اللَّهِ.
وَكُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ.
وَالنَّصَارَى أَيْضًا يَصِفُونَ اللَّاهُوتَ بِصِفَاتِ النَّقْصِ الَّتِي يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهَا، وَيَسُبُّونَ اللَّهَ سَبًّا مَا سَبَّهُ إِيَّاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، كَمَا كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ: لَا تَرْحَمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ سَبُّوا اللَّهَ سُبَّةً مَا سَبَّهُ
الصفحة 100
509