كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

وَفِي النَّصَارَى مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمَوَدَّةِ مَا لَيْسَ فِي الْيَهُودِ، وَالْعَدَاوَةُ أَصْلُهَا الْبُغْضُ فَالْيَهُودُ كَانُوا يُبْغِضُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ، فَكَيْفَ بِبُغْضِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَيْسَ فِي الدِّينِ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ عَدَاوَةٌ وَلَا بُغْضٌ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، فَكَيْفَ بِعَدَاوَتِهِمْ وَبُغْضِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُعْتَدِلِينَ أَهْلِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، الْمُؤْمِنِينَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ؟
وَلَيْسَ فِي هَذَا مَدْحٌ لِلنَّصَارَى بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَلَا وَعْدٌ لَهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ مَوَدَّةً، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -:
{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82] .
أَيْ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ، وَسَبَبِ تَرْكِ الِاسْتِكْبَارِ يَصِيرُ فِيهِمْ مِنَ الْمَوَدَّةِ مَا يُصَيِّرُهُمْ بِذَلِكَ خَيْرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَقْرَبَ مَوَدَّةً مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ.
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -:
{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 83] .
فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَدَحَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَوَعَدَهُمْ بِثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَالضَّمِيرُ وَإِنْ عَادَ إِلَى الْمُتَقَدِّمِينَ، فَالْمُرَادُ جِنْسُ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -:

الصفحة 110