كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

بَدَّلَتِ الْيَهُودُ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنَ الْبِشَارَةِ بِالْمَسِيحِ وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، وَمَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الشَّرَائِعِ وَأَمْرِهِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ.
وَكَمَا بَدَّلَتِ النَّصَارَى كَثِيرًا مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ وَالنُّبُوَّاتِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَمِنَ الشَّرَائِعِ الَّتِي لَمْ يُغَيِّرْهَا الْمَسِيحُ، فَإِنَّ مَا نَسَخَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ الْمَسِيحِ مِنَ التَّوْرَاةِ يَجِبُ اتِّبَاعُ الْمَسِيحِ فِيهِ.
وَأَمَّا مَا بُدِّلَ بَعْدَ الْمَسِيحِ مِثْلُ اسْتِحْلَالِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَمْ يُبِحْهُ الْمَسِيحُ وَمِثْلُ إِسْقَاطِ الْخِتَانِ وَمِثْلُ الصَّلَاةِ إِلَى الْمَشْرِقِ (وَزِيَادَةِ الصَّوْمِ وَنَقْلِهِ مِنْ زَمَانٍ إِلَى زَمَانٍ) وَاتِّخَاذِ الصُّوَرِ فِي الْكَنَائِسِ وَتَعْظِيمِ الصَّلِيبِ وَاتِّبَاعِ الرَّهْبَانِيَّةِ، فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا شَرَائِعُ لَمْ يَشْرَعْهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَا الْمَسِيحُ، وَلَا غَيْرُهُ خَالَفُوا بِهَا شَرْعَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَعَهَا اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ - لِلْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ - أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ لَا كَلَامُهُ وَأَنَّهُ مُبَلِّغٌ لَهُ عَنِ اللَّهِ وَكَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَبَيْنَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنَ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا.
فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَ أُمَّتَهُ الْكِتَابَ

الصفحة 18