كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

مَعْرُوفٌ وَنُسَخُ الْإِنْجِيلِ مُخْتَلِفَةٌ، وَنُسَخُ الزَّبُورِ مُخْتَلِفَةٌ اخْتِلَافًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَقْدِرُ عَاقِلٌ أَنْ يَقُولَ: يَمْتَنِعُ تَغْيِيرُ بَعْضِ النُّسَخِ.
وَلَكِنْ إِذَا قَالُوا لَمْ يُغَيَّرْ شَيْءٌ مِنْهَا لِأَنَّ جَمِيعَهَا قَوْلٌ وَاحِدٌ وَلَفْظٌ وَاحِدٌ فِي جَمِيعِ الْأَلْسُنِ كَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى بَاطِلَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَعْوَى الْعِلْمِ بِتَسَاوِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَبْلَغُ مِنْ دَعْوَى إِمْكَانِ تَغْيِيرِهَا، فَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ مُمْتَنِعًا عَلَى جَمِيعِهَا كَانَ عِلْمُ الْوَاحِدِ بِمَا فِي جَمِيعِهَا - وَأَنَّهَا مُتَمَاثِلَةُ الْأَلْفَاظِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْسُنِ - أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا دَعْوَى خِلَافِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نُسَخِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ مَوْجُودٌ قَدْ رَأَيْنَاهُ نَحْنُ بِأَعْيُنِنَا، وَرَآهُ غَيْرُنَا، فَرَأَيْتُ عِدَّةَ نُسَخٍ بِالزَّبُورِ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَرَأَيْنَا بَعْضَ أَلْفَاظِ التَّوْرَاةِ الَّتِي يَنْقُلُهَا هَذِهِ الطَّائِفَةُ وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهَا هِيَ التَّوْرَاةُ الصَّحِيحَةُ الْمَنْقُولَةُ عِنْدَهُمْ بِالتَّوَاتُرِ تُخَالِفُ بَعْضَ أَلْفَاظِ تَوْرَاةِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الْإِنْجِيلُ.
وَبِالْجُمْلَةِ قَوْلُهُمْ: هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا قَوْلٌ وَاحِدٌ وَلَفْظٌ وَاحِدٌ فِي جَمِيعِ الْأَلْسُنِ، تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ:
تَضَمَّنَ دَعْوَى كَاذِبَةً، وَحُجَّةً بَاطِلَةً، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: (هَذَا لَا يُمْكِنُ) مُكَابَرَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّ إِمْكَانَ تَغْيِيرِ بَعْضِ النُّسَخِ مِمَّا لَا يُنَازِعُ عَاقِلٌ فِي إِمْكَانِهِ، لَكِنْ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: إِذَا غُيِّرَ بَعْضُ النُّسَخِ وَأُظْهِرَ ذَلِكَ، شَاعَ

الصفحة 43