كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)
وَاحِدَةٌ لَيْسَ هُمَا صِفَتَانِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ، فَعُلِمَ أَنَّ تَمْثِيلَهُمْ بِالشَّمْسِ خَطَأٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الشَّمْسُ وَحَرُّهَا وَضَوْءُهَا، كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي النَّارِ.
وَهَذَا التَّمْثِيلُ أَصَحُّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ فِي جِرْمِ الشَّمْسِ حَرَارَةً تَقُومُ بِهَا، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّ جِرْمَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ لَا تُوصَفُ بِحَرَارَةٍ وَلَا بُرُودَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ.
وَأَمَّا تَمْثِيلُهُمْ بِرُوحِ الْإِنْسَانِ وَنُطْقِهِ، فَإِنْ أَرَادُوا بِالرُّوحِ حَيَاتَهُ، فَلَيْسَ هَذَا هُوَ مَفْهُومَ الرُّوحِ، وَإِنْ أَرَادُوا بِالرُّوحِ الَّتِي تُفَارِقُ بَدَنَهُ بِالْمَوْتِ وَتُسَمَّى النَّفْسَ النَّاطِقَةَ - فَهَذِهِ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ عَرَضًا مِنْ أَعْرَاضِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رُوحُ اللَّهِ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ مَعَ جَوْهَرٍ آخَرَ نَظِيرَ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَيَكُونَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُرَكَّبًا مِنْ بَدَنٍ وَرُوحٍ كَالْإِنْسَانِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَهْلِ الْمِلَلِ، لَا الْمُسْلِمِينَ وَلَا الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى، بَلْ هُوَ كُفْرٌ عِنْدَهُم، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَمْثِيلَهُمْ بِالثَّلَاثَةِ بَاطِلٌ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ التَّمْثِيلَ إِمَّا أَنْ يَقَعَ بِصِفَاتِ الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالْإِنْسَانِ، أَوِ النَّفْسِ الْقَائِمَةِ بِهَذِهِ الْجَوَاهِرِ، أَوْ بِمَا هُوَ مُبَايِنٌ لِذَلِكَ، كَالضَّوْءِ
الصفحة 486
509