كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

غَيْرِهِ، وَبَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ يُقَالُ: هَذَا عِلْمُ فُلَانٍ وَكَلَامُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الثَّانِيَ بَلَّغَهُ عَنْهُ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ عِلْمُ الْأَوَّلِ وَكَلَامُهُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ نَفْسَ مَا قَامَ بِذَاتِ الْأَوَّلِ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ مَا قَامَ بِذَاتِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مِثْلَهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالثَّانِي، مِثْلَ مَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ، فَكَلَامُ الْمُبَلِّغِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّبْلِيغِ.
وَصِفَاتُ الْمُبَلِّغِ - كَحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ - الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ التَّبْلِيغُ؛ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَقْصُودِ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا كَلَامُ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى حَقِيقَةِ الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ بِالتَّبْلِيغِ، لَا إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُبَلِّغُ مِنْ أَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلِهَذَا شَبَّهَ النَّاسُ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ صِفَةِ الرَّبِّ فِي عَبْدِهِ بِالنَّصَارَى الْقَائِلِينَ بِالْحُلُولِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِهِمْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ.
لَكِنَّ النَّصَارَى لَا يَقُولُونَ بِحُلُولِ صِفَةٍ مُجَرَّدَةٍ، بَلْ بِحُلُولِ الْأُقْنُومِ الَّذِي هُوَ ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّفَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ خَالِقٌ وَرَازِقٌ، وَهُوَ خَالِقُ آدَمَ وَمَرْيَمَ، وَهُوَ وَلَدُ آدَمَ وَمَرْيَمَ، وَهُوَ خَالِقٌ لَهُمَا بِلَاهُوتِهِ ابْنٌ لَهُمَا بِنَاسُوتِهِ.
وَيَقُولُونَ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَهُوَ اللَّهُ بِلَاهُوتِهِ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا بِاللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ لِأَجْلِ الِاتِّحَادِ، وَاللَّهُ كَفَّرَهُمْ بِقَوْلِهِم: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَرَادُوا بِتَمْثِيلِهِمْ بِصِفَاتِ الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالنَّفْسِ التَّمْثِيلَ بِنَفْسِ مَا يَقُومُ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالنَّفْسِ مِنَ الضَّوْءِ وَالْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ، وَجَعَلُوا مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ - صِفَاتِ اللَّهِ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ

الصفحة 489