كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] (1) {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] (2) {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] .
كَمَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَهُمْ أَوْلَى بِالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: (مَا تَعْبُدُونَ) يَتَنَاوَلُ صِفَاتِ الْمَعْبُودِ، وَالْإِلَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ الْمُؤْمِنُونَ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، وَأَرْسَلَ مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ -.
وَالْإِلَهُ الْمُتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَا يَعْبُدُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَهَذَا كَقَوْلِهِ:
{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133] .
فَهَذَا الْإِلَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي يَعْبُدُونَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِأَنْ يَعْبُدُوهُ فَإِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ بِعِبَادَتِهِ وَيَصِفُونَهُ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ فَلَا يُخْلِصُونَ لَهُ الدِّينَ، فَيَعْبُدُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى إِنْ لَمْ يَسْتَكْبِرُوا عَنْ عِبَادَتِهِ، وَإِلَهُ الْعَبْدِ الَّذِي يَعْبُدُهُ بِالْفِعْلِ لَيْسَ حَالُهُ مَعَهُ كَحَالِهِ مَعَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَعْبُدَهُ، وَهُوَ لَا يَعْبُدُهُ، بَلْ يُشْرِكُ بِهِ أَوْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] .
وَالشِّرْكُ غَالِبٌ عَلَى النَّصَارَى، وَالْكِبْرُ غَالِبٌ عَلَى الْيَهُودِ.

الصفحة 67