كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 3)

أَهْلُ كِتَابٍ وَغَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ، كَالْفَلَاسِفَةِ وَالْهُنُودِ.
وَالْعِلْمُ يُنَالُ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ، وَمَا يُحَصَّلُ بِهِمَا وَبِوَحْيِ اللَّهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ عَمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ.
وَلِهَذَا قِيلَ: الطُّرُقُ الْعِلْمِيَّةُ الْبَصَرُ، وَالنَّظَرُ، وَالْخَبَرُ: الْحِسُّ، وَالْعَقْلُ وَالْوَحْيُ: الْحِسُّ وَالْقِيَاسُ، وَالنُّبُوَّةُ.
فَأَهْلُ الْكِتَابِ امْتَازُوا عَنْ غَيْرِهِمْ بِمَا جَاءَهُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ مُشَارَكَتِهِمْ لِغَيْرِهِمْ فِيمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْعُلُومِ الْحِسِّيَّةِ، وَالْعَقْلِيَّةِ.
وَالْمُسْلِمُونَ حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْعُلُومِ النَّبَوِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ مَا كَانَ لِلْأُمَمِ قَبْلَهُمْ، وَامْتَازُوا عَنْهُمْ بِمَا لَا تَعْرِفُهُ الْأُمَمُ وَمَا اتَّصَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عَقْلِيَّاتِ الْأُمَمِ هَذَّبُوهُ لَفْظًا وَمَعْنًى حَتَّى صَارَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ عِنْدَهُمْ وَنَفَوْا عَنْهُ مِنَ الْبَاطِلِ وَضَمُّوا إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ مَا امْتَازُوا بِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ.
وَكَذَلِكَ الْعُلُومُ النَّبَوِيَّةُ أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِهِ أُمَّةً قَبْلَهُمْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ مَعَ تَدَبُّرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ فَضْلِ عِلْمِ الْقُرْآنِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى الْعُمْيَانِ.
فَكَيْفَ يُظَنُّ مَعَ هَذَا بِالْمُسْلِمِينَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَسَادُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ظَنَّهُ بِهِمْ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ:

الصفحة 8