كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
وَتَحْوِيلُ الْمَاءِ زَيْتًا أَبْدَعُ مِنْ تَحْوِيلِهِ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنِ الْيَسَعُ بِذَلِكَ إِلَهًا.
وَأَمَّا قَوْلُكُمُ: الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثَّرَ الْقَلِيلَ حَتَّى أَكَلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَرْغِفَةٍ يَسِيرَةٍ، فَإِنَّ كِتَابَ " سِفْرُ الْمُلُوكِ " يُخْبِرُ بِأَنَّ إِلْيَاسَ نَزَلَ بِامْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، وَكَانَ الْقَحْطُ قَدْ عَمَّ النَّاسَ وَأَجْدَبَتِ الْبِلَادُ، وَمَاتَ الْخَلْقُ ضُرًّا وَهَزْلًا، وَكَانَ النَّاسُ فِي ضِيقٍ، فَقَالَ لِلْأَرْمَلَةِ: هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا كَفٌّ مِنْ دَقِيقٍ فِي قِلَّةٍ، أَرَدْتُ أَنْ أَخْبِزَهُ لِطِفْلٍ لِي، وَقَدْ أَيْقَنَّا بِالْهَلَاكِ لِمَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْقَحْطِ.
فَقَالَ لَهَا: أَحْضِرِيهِ فَلَا عَلَيْكِ. فَأَتَتْهُ بِهِ، فَبَارَكَ عَلَيْهِ، فَمَكَثَ عِنْدَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ تَأْكُلُ هِيَ وَأَهْلُهَا وَجِيرَانُهَا مِنْهُ حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ عَنِ النَّاسِ، فَقَدْ فَعَلَ إِلْيَاسُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ الْمَسِيحُ، لِأَنَّ إِلْيَاسَ كَثَّرَ الْقَلِيلَ وَأَدَامَهُ، وَالْمَسِيحَ كَثَّرَ الْقَلِيلَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَكُنْ إِلْيَاسُ بِفِعْلِهِ هَذَا إِلَهًا.
قَالَ: فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ لَيْسَ لَهُمْ صُنْعٌ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَإِنَّ الصُّنْعَ فِيهَا وَالْقُدْرَةَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَجْرَاهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَقَدْ صَدَقْتُمْ، وَنَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: كَذَلِكَ الْمَسِيحُ لَيْسَ لَهُ صُنْعٌ فِيمَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَعَاجِيبِ، إِذْ كَانَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَظْهَرَهَا عَلَى يَدَيْهِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسِيحَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ؟ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ آيَةً تَضَرَّعَتْ إِلَى اللَّهِ وَدَعَتْهُ وَأَقَرَّتْ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَشَهِدَتْ عَلَى أَنْفُسِهَا بِالْعُبُودِيَّةِ.
الصفحة 124