كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

الشَّرِيكُ وَالْوَلَدُ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، كَمَا سَدَّتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الذَّرَائِعِ، مِثْلَ تَحْرِيمِهَا قَلِيلَ الْمُسْكِرِ ; لِأَنَّهُ يَجُرُّ إِلَى كَثِيرِهِ، فَإِنَّ أُصُولَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] .
مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ شَرَائِعُ الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ عُقُوبَةً، فَإِنَّ هَذَا جَاءَ فِي شَرْعِ التَّوْرَاةِ دُونَ شَرْعِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لِأَمَةِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَكَذَلِكَ تَكْمِيلُ التَّوْحِيدِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَسَدُّ أَبْوَابِ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ مَعَ اتِّفَاقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى إِيجَابِ التَّوْحِيدِ وَتَحْرِيمِ أَنْ يُجْعَلَ لِلَّهِ شَرِيكٌ أَوْ وَلَدٌ.
فَإِذَا كَانَ مُرَادُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالِابْنِ هُوَ النَّاسُوتُ، وَهُوَ لَمْ يُسَمِّ اللَّاهُوتَ ابْنًا، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الِابْنَ لَا يَعْلَمُ السَّاعَةَ، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ النَّاسُوتُ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ السَّاعَةَ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَإِنْ قَالُوا: مُرَادُهُ بِالِابْنِ اللَّاهُوتُ أَوِ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّاهُوتَ أَوِ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ لَا يَعْلَمُ السَّاعَةَ وَهَذَا بَاطِلٌ،

الصفحة 156