كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)

فَإِنْ لَمْ تُلْحَمْ وَأَلْزَمَ بَعْضُهَا بَعْضًا، مِثْلَ طَوْقٍ يَكُونُ مِنْ نُحَاسٍ وَذَهَبٍ، وَقَعَتْ مِنْ وَجْهِ خُلْطَةِ الِافْتِرَاقِ الَّتِي لَا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تُسَمَّى خُلْطَةً.
وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَقَعَ " نُسْطُورَسُ " وَأَشْيَاعُهُ فَلَزِمُوا خُلْطَةَ الِاحْتِيَالِ وَالْفَسَادِ، فَزَعَمُوا أَنَّ الطَّبِيعَةَ الْإِلَهِيَّةَ وَالطَّبِيعَةَ النَّاسِيَّةَ اخْتَلَطَا فِي الْمَسِيحِ الْوَاحِدِ، فَهُوَ ذُو قِوَامٍ وَاحِدٍ بِطَبِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مُخْتَلِطَةٍ مِنْ طَبِيعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إِلَهِيَّةٍ وَنَاسِيَّةٍ، فَأَقَرُّوا أَنَّهُمَا قَدِ احْتَالَا، وَالِاحْتِيَالُ فَسَادٌ.
وَأَلْزَمُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكَافِرِ طَبِيعَةَ اللَّهِ الْمَصَائِبَ وَالْمَوْتَ، وَصَيَّرُوا الْمَسِيحَ لَا إِلَهًا صَحِيحًا وَلَا إِنْسَانًا، مِثْلَ الذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ.
فَنُسْطُورَسُ وَأَشْيَاعُهُ لَزِمُوا خُلْطَةَ الْفُرْقَةِ وَالِانْقِطَاعِ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْمَسِيحَ الْوَاحِدَ ذُو طَبِيعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، الْإِلَهِيَّةِ وَنَاسِيَّةٍ، وَذُو قِوَامَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ، إِلَهِيٍّ وَنَاسِيٍّ، فَصَيَّرُوا الْفُرْقَةَ خُلْطَةً، كَالطَّوْقِ الْمُلَوَّنِ نِصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَهَبٌ وَالْآخَرُ نُحَاسٌ، وَالثَّوْبُ الْمُبَطَّنُ ظَاهِرُهُ خَزٌّ وَبَاطِنُهُ قُطْنٌ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ فِي طَبِيعَةٍ وَلَا قِوَامٍ.
وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَسِيحٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الطَّوْقَ الْمُلَوَّنَ طَوْقَانِ، وَالثَّوْبَ الْمُبَطَّنَ ثَوْبَانِ.
فَالْمَسِيحُ - مِثْلَ ذَلِكَ - مَسِيحَانِ، وَاحِدٌ إِلَهِيٌّ بِطَبِيعَتِهِ وَقِوَامِهِ، مِثْلَ قَضِيبِ الذَّهَبِ فِي الطَّوْقِ الْمُلَوَّنِ، وَمِثْلَ ظِهَارَةِ الْخَزِّ فِي الثَّوْبِ الْمُبَطَّنِ.
وَالْآخَرُ نَاسِيٌّ، مِثْلَ قَضِيبِ النُّحَاسِ فِي الطَّوْقِ، وَبِطَانَةِ الْقُطْنِ فِي الثَّوْبِ.

الصفحة 354