كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
وَالنَّفْسُ - عِنْدَ اتِّصَالِهَا بِالْبَدَنِ - تَتَغَيَّرُ وَتَتَبَدَّلُ صِفَاتُهَا وَأَحْوَالُهَا، وَيَصِيرُ لَهَا مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ مَا لَمْ يَكُنْ بِدُونِ الْبَدَنِ، وَعِنْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ، تَتَغَيَّرُ صِفَاتُهَا وَأَفْعَالُهَا.
فَإِنْ كَانَ تَمْثِيلُهُمْ مُطَابِقًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ قَدْ تَغَيَّرَتْ أَوْصَافُهُ وَأَفْعَالُهُ، لَمَّا اخْتَلَطَ بِالْمَسِيحِ، كَمَا تَتَغَيَّرُ صِفَاتُ النَّفْسِ وَأَفْعَالُهَا، وَيَكُونَ الرَّبُّ قَبْلَ هَذَا الِاخْتِلَاطِ كَالنَّفْسِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِبَدَنٍ.
وَأَيْضًا فَالنَّفْسُ وَالْبَدَنُ شَرِيكَانِ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، لَهُمَا الثَّوَابُ وَعَلَيْهِمَا الْعِقَابُ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى النَّفْسِ أَكْمَلُ مِنْهُ عَلَى الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ كَذَلِكَ، كَانَ جَمِيعُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَسِيحُ بِاخْتِيَارِهِ فِعْلَ الرَّبِّ، كَمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ الْبَدَنُ بِاخْتِيَارِ فِعْلِ النَّفْسِ عَنِ الَّتِي تُخَاطَبُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيُقَالُ لَهَا: كُلِي وَاشْرَبِي وَانْكِحِي، وَلَا تَأْكُلِي وَلَا تَشْرَبِي وَلَا تَنْكِحِي.
فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ مَعَ النَّاسُوتِ كَذَلِكَ، كَانَ الرَّبُّ هُوَ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ الْمَسِيحُ، وَكَانَ الرَّبُّ هُوَ الْمُصَلِّي الصَّائِمُ الْعَابِدُ الدَّاعِي، وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ: يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ بِلَاهُوتِهِ، وَيَأْكُلُ وَيَعْبُدُ بِنَاسُوتِهِ.
فَإِنَّ النَّفْسَ وَالْبَدَنَ لَمَّا اتَّحَدَا، كَانَتْ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لِلنَّفْسِ وَالْبَدَنِ، فَإِذَا صَلَّى الْإِنْسَانُ وَصَامَ وَدَعَا، فَالنَّفْسُ وَالْبَدَنُ يُوصَفَانِ بِذَلِكَ جَمِيعًا، بَلِ النَّفْسُ أَخَصُّ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَمَرَ أَوْ نَهَى، فَكِلَاهُمَا مَوْصُوفٌ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا ضُرِبَ، فَأَلَمُ الضَّرْبِ يَصِلُ
الصفحة 362