كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (اسم الجزء: 4)
وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]
وَمَا جَاءَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّ رُوحَ اللَّهِ أَوْ رُوحَ الْقُدُسِ يَحُلُّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ حَقٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَإِذَا قِيلَ: كَلَامُ اللَّهِ يَحُلُّ فِي قُلُوبِ الْقَارِئِينَ، فَهُوَ حَقٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَأَمَّا نَفْسُ مَا يَقُومُ بِالرَّبِّ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُومَ هُوَ نَفْسُهُ بِغَيْرِ الرَّبِّ، بَلْ مَا يَقُومُ بِالْمَخْلُوقِ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ هُوَ نَفْسُهُ بِغَيْرِهِ.
فَيَمْتَنِعُ فِي صِفَاتِ الشَّمْسِ الْقَائِمَةِ بِهَا مِنْ شَكْلِهَا وَاسْتِدَارَتِهَا، وَمَا قَامَ بِهَا مِنْ نُورٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَقُومَ بِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ مَا قَامَ بِجِرْمِ النَّارِ مِنْ حَرَارَةٍ وَضَوْءٍ، فَلَا يَقُومُ بِغَيْرِهَا، بَلْ إِذَا جَاوَرَتِ النَّارُ هَوَاءً أَوْ غَيْرَ هَوَاءٍ، حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ سُخُونَةٌ أُخْرَى غَيْرُ السُّخُونَةِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِ النَّارِ تُسَخِّنُ الْهَوَاءَ الَّذِي يُجَاوِرُهَا، كَمَا تُسَخَّنُ الْقِدْرُ الَّذِي يُوقَدُ تَحْتَهَا النَّارُ فَيَسْخُنُ، ثُمَّ يَسْخُنُ الْمَاءُ الَّذِي فِيهَا مَعَ أَنَّ سُخُونَةَ النَّارِ بَاقِيَةٌ فِيهَا، وَسُخُونَةَ الْقِدْرِ بَاقِيَةٌ فِيهَا، وَسُخُونَةُ الْمَاءِ سُخُونَةٌ أُخْرَى حَصَلَتْ فِي الْمَاءِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْ تَيْنِكَ، وَإِنْ كَانَتْ حَادِثَةً عَنْهَا، وَجِنْسُ السُّخُونَةِ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ.
الصفحة 370